نعيش في حالة هي أشبه بجنون الأسعار عند الرغبة باستقدام عاملة منزلية، واحتكار تام ومنظم لعملية الاستقدام. فكل الطرق مغلقة في وجهك في حال رغبت أن تستقدم بنفسك العاملة دون اللجوء إلى مكتب استقدام. فمثلاً تكلفة عاملة من سيرلانكا تصل إلى عشرين ألف ريال وأكثر عن طريق المكتب، في حال لو سافرت إلى هناك وقضيت أسبوع سياحة، واخترتها بنفسك وأردت أن تأتي بها بتكلفة لا تتجاوز تذكرة السفر، فإن كل هذه التكلفة بما فيها «التمشية» و»المطاعم» لن تصل إلى عشرين ألف ريال. لكن المفاجأة أن الأنظمة والقوانين احتكرت الاستقدام عن طريق مكاتب تضربك بأسعار مجنونة، لا تُقارن مُطلقًا بأسعار الاستقدام في دول الجوار أو أي دولة عربية، مما يوحي بوجود عمل مُنظم للتواطؤ على جيب المواطن، وإغلاق كافة أبواب الحلول في وجهه، فليس بالمنطق إجباره على الاستقدام عن طريق مكتب طالما لا يوجد رقابة على هذه المكاتب، لا من ناحية أسعار الاستقدام ولا حتى التأجير الذي انتشر مؤخرًا وباتت الناس مضطرة له.
إن مكاتب الاستقدام ما زالت تعبث بلا رقابة، لا من ناحية الأسعار ولا من ناحية استقدام أردى أنواع العمالة، فالإنسان يدفع لكي يرتاح، أما نحن مع هذه الأوضاع فندفع لنشقى ونتعب ولا نجد بمقابل المبلغ المرتفع نوعية جيدة، ولا حماية حقوق كالتي ظهرت مؤخرًا لحماية حق العمالة -وهذا أمر جيد- إلا أن المواطن أيضًا يحتاج إلى حماية حقوقه من جشع وكذب مكاتب الاستقدام، وإعادة النظر في هذه الأسعار التي لو حسبناها لوجدناها سرقة «عيني عينك»، فالعاملة المنزلية كم ستكلف المكتب إذا حسبنا قيمة تذكرة الطائرة على أعلى تقدير 2000 ريال ومصاريف كشف طبي واستخراج أوراق لن تتجاوز 1000 ريال ولو حسبنا قيمة السعي والربح للمكتب فليأخذ 2000 ريال، إذن بالحسبة الطبيعية مع أرباح عالية للمكتب فإن قيمة الاستقدام يُفترض أن لا تتجاوز 5000 ريال، فلماذا وصلت إلى عشرين ألفاً؟ وبأي منطق تطلب المكاتب هذا المبلغ؟ إلا إذا آمنّا بمنطق العمل بلا حسيب ولا رقيب!
إن استغلال حاجة الناس وإغلاق منافذ الحلول الأخرى الأقل تكلفة في وجوههم، أمر يحتاج إلى رقابة وإعادة تنظيم، فالتنسيق الحاصل بين أسعار الاستئجار الذي وصل إلى 3000 ريال شهريًا، وارتفاع سعر الاستقدام، هذا عدا خسائر هروب الخادمات وغيره من المسلسلات التي تحدث داخل البيوت جراء عدم وجود رقابة على نوعية العمالة المستقدمة، كل هذه الأمور توحي بل وتؤكد على وجود مافيا تعمل بتنسيق مُحكم، ولا تجد من يردعها ولا يوقف هذا الإهدار المادي والنفسي في حال الرغبة بالحصول على عاملة منزلية.
منح الناس خيارات أكثر، وفتح الأبواب لدول جديدة ستواجه إلى حد ما حالة الاحتكار التي تأكل جيوبنا، وتجعلنا نقبل أن نكون أشخاصاً «مغفلين» رغمًا عنا!