نقلت صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية أن البغدادي قال لحراسه بعد إطلاق سراحه من سجن «بوكا» الأمريكي جنوب العراق: أراكم في نيويورك!
ولم يأخذ الجنود الأمريكيون هذا الكلام مأخذ الجد؛ إذ اعتبروه مزحة لطيفة؛ ولكن الحقيقة غير ذلك؛ فالخيال المرضي الكبير والمجنح الذي يسكن جوانح هذا السجين الطليق ليس له حدود؛ فقد تشبع خلال سنوات سجنه الأربع وبعد اختلاطه العميق مع رموز القاعدة داخل السجن بأفكار القاعدة المتطرفة وأضاف إليها أحلامه الشخصية في الزعامة والقيادة والوصول إلى أعلى مراكز الهيمنة على مقاليد الأمور ليس في العراق فحسب؛ بل على العرب والمسلمين، لا؛ بل على العالم كله تحت راية الخلافة التي يحلم أن يرفرف علمها الأسود على البيت الأبيض كما ألمح في إشارته الرمزية لسجانيه الأمريكان!
ومما يؤكد تعلق البغدادي بحلم القيادة وتملك النفوذ سلوكه الذاتي المغامر إلى حد اقتراف جرائم القتل عن طريق تدبير عمليات التفخيخ بواسطة السيارات التي يقودها انتحاريون وذهب ضحيتها مئات الأشخاص الأبرياء في أسواق وميادين بغداد واستحلاله إراقة دم من يقف أمام طموحاته مستدلا بنصوص دينية مجتزأة من سياقاتها أو بوقائع تاريخية لا يصح أن تنطبق في كل حال، فهو يستخدم الدين ويتمثل شخصية أمير المؤمنين، وهنا ملمح قيادة، ثم ينتحل أو يتزيا بزي خليفة المسلمين وهنا أيضا ملمح أشد وضوحا وأكثر جلاء لتمكن حب النفوذ، إما بالظهور بمظهر التقى الورع؛ على الرغم من أن يديه ملوثتان بدماء الأبرياء، أو بلي النصوص لتتساوق مع مشروعه الخلافي الكبير الذي يسكن وجدانه!
ولعل في ظهوره الأخير إماما للمصلين يوم الجمعة ما يؤكد افتتانه بالسلطة أو الخلافة، وقد رسم مظهره الخارجي الأحلام التي يسعى لتحقيقها؛ فقد ارتدى السواد من رأسه إلى أخمص قدميه، فالجبة والعمامة سوداوان، والعصا يتكئ عليها، واللحية الكثة تضفي مزيدا من الهيبة والجلال، والخطبة تنحو في مفرداتها ومعانيها إلى الأسلوب التراثي مبتعدا عن أية إضافات حديثة في العبارات أو الأفكار، وكأنه يقول: إنني الآن خليفة المسلمين في العصر العباسي الأول أو حتى الثاني في زمن ازدهار حضارة الأمة الإسلامية وتمكنها وسيادتها على نصف الكرة الأرضية تقريبا؛ فهو ليس أبا بكر البغدادي الذي يبسط سلطته الآن على مئات من الكليو مترات بين العراق والشام اختلست اختلاسا واغتصبت اغتصابا من دولتين عانتا ولا زالتا من الاضطرابات والفوضى والانشقاق والضعف والاحتلال الأجنبي لواحدة منهما؛ بل هو المهدي أو هارون الرشيد أو المأمون أو المعتصم أو المتوكل!
لقد تعمد أن يستعيد مظهره ولغة خطابته ومعانيه روح وشكل مرحلة عربية وإسلامية زاهية، وبذل جهدا فائقا في أن يضبط حركاته ووقفاته وسكناته وإجادته النطق الصحيح لغة وإعرابا ليكون الشخصية التاريخية الخلافية التي تسكنه ويحلم أن يكون هي وأن تكون سلطته ممتدة متوسعة نافذة قوية ضاربة في الآفاق كما كانت سلطة الخلافة الإسلامية العباسية؛ فهو بدري قرشي!
ليس ثمة ما يمنع من أن تصل رايته السوداء العباسية إلى قلب أمريكا فترفع على سارية البيت الأبيض، أو أن تصل إلى قصر بكنجهام في لندن، أو قصر الإليزيه في باريس؛ فهو هارون الرشيد وأوباما «نقفور» ملك الروم، وهو المعتصم و الرئيس الفرنسي أو الإيطالي الإمبراطور البيزنطي تيوفيل!
الخلفاء العباسيون اتخذوا من بغداد عاصمة لحكمهم وهو هنا ليس بعيدا عنهم؛ فهو يخطب من جامع الموصل على بعد مئات قليلة من عاصمة المعتصم الذي انتصر لامرأة هاشمية أسرها الروم؛ فأقسم أن ينتصر لها وسير خمسمائة ألف مقاتل لغزو عمورية وفتحها؛ وقد وضع البغدادي على جواز دولة خلافته عبارة «حامل هذا الجواز تسير له الجيوش لو مسه ضرر»!
استعدوا أيها الأمريكان والإنجليز والطليان والفرنسيون فقد جاءتكم دولة الخلافة غازية في عقر داركم!