نحن الآن في موسم التحسب للإرهاب والتكسب منه، ولكن بدرجة أكبر من التحسب له، البعض يتكسب في الميدان، يقتل وينهب ويسبي بعذر الجهاد في سبيل الله علاوة على ما يمني به نفسه من أعداد الحور العين. البعض الآخر يتكسب به وهو مرتاح، في البيت أو المكتب أو الفندق من فئة الخمس نجوم.
فضيلة الشيخ له تحليله الإعلامي الفضائي الخاص في أسباب الإرهاب ونتائجه، والداعية الحركي الذي هو كذلك شيخ له في نفس الفضائية تحليله المختلف عن تحليل فضيلة الشيخ، والإعلامي المهني يحلل ويفلسف إما حسب قناعاته الثقافية أو حسب مصالحه وسعة وجهه وجيبه، ورجل الأمن ينظر إلى الإرهاب حسب فعالية التربية العسكرية أو الشعبية التي تعرض لها واقتنع بها، ورجل الدولة يشربك الأمور في تحليلات سياسية معقدة، بحيث يوحي للناس بأن الأمور أصعب كثيراً مما يتصورون ولا حل للإرهاب بدونه، وأن الوضع يتطلب من الشعب شد الأحزمة والتضحيات الجسام.
بقي من كل الفئات الأطباء، لم يدلُ بدلائهم في تشريح ظاهرة الإرهاب. أنا طبيب، ولذلك سوف آخذ حقي بقلمي، وأطبق على الإرهاب التحليل العلمي المطبق في العلوم الطبية على ظاهرة إرهابية حقيقية تحدث في جسم الإنسان تسمى علمياً مرض السرطان.
في الطب تعتبر الإصابة بمرض سرطاني نتيجة متأخرة لحدوث خلل سابق وجوهري في وظائف الأعضاء، وبالذات في تنسيقها المناعي مع بعضها للدفاع عن كامل الجسم، الذي هو محصلة تجميعية لكل الأعضاء المختلفة.
الخلل في تنسيق الأعضاء مع بعضها للحماية المتبادلة يسبق دائماً ظهور الإصابة السرطانية بمراحل زمنية تكون عادة كافية للتصحيح بالتدخل المناسب.
أسباب حدوث الخلل المناعي المفضي إلى السرطان تتلخص في المجمل في القائمة التالية مضافاً إليها ما يقابلها في ظاهرة الإرهاب الاجتماعي:
أولاً: النقص الغذائي لسوء توزيعه بين الأعضاء. يقابله الفقر وسوء توزيع الثروات بين طبقات المجتمع.
ثانياً: نقص الأكسجين (الهواء النقي). وهذا يقابله نقص الحريات لاستثمار المواهب الفردية، وانعدام تكافؤ الفرص داخل التركيبة الاجتماعية.
ثالثاً: تسلل مادة أو جسم أو كائن غريب إلى داخل الجسد يستطيع الخداع ثم العبث بجهاز المناعة وتسخيره لصالحه ضد مصلحة الجسد بكامله. هذا يقابله في المجتمعات الغزو الخارجي المتواطئ مع مكون داخلي بهدف السيطرة على الثروة وتقاسم المصالح.
رابعاً: النقص الوراثي في المناعة المشجع لنمو الخلايا السرطانية. هذا يقابله أحادية الرأي والاكتفاء بنوع واحد من العلم في المجتمعات المتخلفة بحجة المحافظة على الثوابت.
بالتأكيد لا تحتوي هذه القائمة السببية على كل عناصر التسرطن، لكنها تقدم أكثرها أهمية.
وجه الشبه لدرجة التطابق بين انتشار السرطان في الجسد وانتشار الإرهاب في المجتمع هو أن الخلايا السرطانية في الأصل خلايا تتولد من نفس نسيج أعضاء الجسم، لكنها تتمرد على جميع الأعضاء. ظاهرة الخلايا الإرهابية تنطبق عليها نفس المواصفات، فهي خلايا اجتماعية تتمرد على مجتمعها بكامله لتنشر التخريب بداخله.
في علم الطب يتوجب على الطاقم الطبي تحديد نوعية الخلايا السرطانية ومصدرها النسيجي الأصلي وسببها أو أسبابها ومدى انتشارها، ثم التعامل مع الوضع بطريقة الاستئصال والتدمير الدوائي، بحيث لا تبقى خلية سرطانية واحدة، وإلا نبت السرطان من جديد. كلما تم التدخل مبكراً وبكفاءة تحسنت فرص الشفاء.
شروط التعامل مع الإرهاب في المجتمعات هي نفسها شروط التعامل مع السرطان في الجسم. على المجتمع المصاب بمرض الإرهاب أن يحدد بالضبط نوع الإرهاب الموجود بداخله ومصدره العضوي ومدى انتشاره، وأن يتعامل مبكراً مع الوضع بنفس الاشتراطات الطبية للتعامل مع السرطان.
المشترك الآخر بين السرطان والإرهاب أنهما يؤديان بنفس الطريقة إلى الموت، إن لم يتم تداركهما بالعلاج المناسب قبل فوات الأوان.
في النهاية أتعشم من القارئ أن يسأل نفسه عن جملة الأسباب المتوافرة في مجتمعه للإصابة بوباء الإرهاب، لكي يعرف أين يجب أن نضع أقدامنا في الطريق نحو المستقبل.