لست على رأس العمل فأخاف من عتبه عليّ، لكن للتاريخ واجباً عليّ أن أكتب عن جوانب أعرفها على شكل مواقف شاهدتها بنفسي، وحصلت أمام ناظري، فأستميحه العذر بكتابة هذه المواقف.
الموقف الأول: قبل سنوات عديدة كنت وقتها برتبة ملازم، وكان سمو الأمير متعب وقتها صغيراً في السن، لكنه كبير بعقله وتواضعه. كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يقيم حفل تكريم لأمير قطر الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منزله السابق في الملز، وكنت ضمن الحضور، وعندما سيقت القهوة على سمو الأمير متعب أمر القهوجي بأن يعطي الفنجال أولاً لأحد أمراء الأفواج الذي كان بجانبه فرفض ذلك الشيخ، وقال ما آخذه قبلك، لكن سموه لزم عليه فقال الشيخ عبدالرحمن الدويش رحمه الله: خذ الفنجال، أنتم حكامنا، تعودنا منكم التواضع واحترام الكبير.
الموقف الثاني: أمام عيني في رئاسة الحرس الوطني (وزارة الحرس الوطني)، قبل سنوات عديدة كنت في مكتب والدنا معالي نائب الحرس الوطني السابق الشيخ عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - وفجأة دخل علينا شيخ وقور على كرسي متحرك، وقال بصوت عالٍ: يا عبدالعزيز التويجري أنا (متشره) على الأمير عبدالله. فرد عليه التويجري - رحمه الله: لا تقول شيئاً. هذا ولده الأمير متعب بجانبي. فرد عليه الأمير متعب، وقال: أنت بمنزلة الوالد، قل الذي بخاطرك. وأجلسه الأمير بجانبه، فبكى ذلك الشيخ، وقال أمد الله في عمر والدك، وجزاك الله خير الجزاء على تواضعك. سألت الأخ والصديق عبدالرحمن الشثري عن ذلك الشيخ فقال هذا الشيخ (الصانع)، كان من أبرز رجال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله.
الموقف الثالث: وصفٌ لما يتمتع به الأمير من ذكاء ومعرفة. كنت أعمل بالمدارس العسكرية برتبة رائد ركن، وكنت رئيساً للجنة اختبارات دورات الضباط، وكان سموه برتبة عقيد، وكان يدرس في دورة الضباط المتقدمة، وكانت أسئلة الاختبارات تقدم لي من أعضاء اللجنة بما يقارب 100 سؤال لكل مادة أستلمها بنفسي، وأختار منها 10 أسئلة، وأصورها، وأوزعها في يوم الاختبار نفسه. كان سمو سيدي الأمير متعب يحصل على العلامة الكاملة. أقسم بالله أنه لا يعلم عن الأسئلة أي شيء، لكنه يتصف بالذكاء والمعرفة.
الموقف الرابع: أيام أزمة الخليج كنت برتبة عقيد ركن، وتشرفت بمرافقة سموه مع مجموعة من الضباط لمشاهدة مناورة للجيش الأمريكي في جودة (المنطقة الشرقية)، وعندما وصلنا مقر المناورة استقبله قادة المناورة الأمريكيون، وكان يتحدث مع الأمريكان ويناقشهم عن مراحل المناورة وأحداثها، وبعد ذلك ذهب للجنود في خنادقهم، وتحدث معهم؛ ما جعل الأمريكان ينبهرون من تواضع سمو الأمير وقوة معرفته بالأمور العسكرية وإدارة الحروب.
الموقف الخامس: حبه لأبناء وطنه وتواضعه في زيارة المرضى. لقد شرفني سموه بزيارة كريمة في المستشفى عندما نُوِّمت فيه، ولم أكن أنا الوحيد الذي شمله بتلك الزيارة؛ ما يدل على تواضعه. وكان لتلك الزيارة أكبر الأثر في نفسي.