صحابي جليل من السابقين إلى الإسلام: عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد القرشي السهمي، يكنّى بأبي عبد الله، أسلم قديما - كما قال ابن الأثير- وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، مع أخيه قيس بن حذافة، وهو أخو قيس بن حذافة، زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب،
قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسولاً إلى كسرى وقيصر، فأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث بكتابه إلى كسرى - ملك الفرس- فلما قرأه فرّقه يعني مزّقه.
وقد أمره صلى الله عليه وسلم إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه خرّقه، قال الزهري: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق، قال ابن الأثير في أسد الغابة: وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام، فمزّق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مزق ملكه» فقتله ابنه شيرويه.
وكان عبد الله بن حذافة: يحب الدعابة، كما كان من أهل بدر: الذين أبلوا بلاء حسناً في معركة: أعز الله فيها الإسلام، وانخذل الشرك، بقتل صناديدهم في شهر رمضان المبارك في هذه المعركة الشهيرة التي سميت بدر الكبرى، حيث جاء المشركون بخيلائهم، وعنجهيتهم وبعدد غير متكافئ مع الجيش الإسلامي، بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن النصر من الله، وقد بيّن الله مظاهر من هذه المعركة، في سورة الأنفال.
يقول ابن الأثير في أسد الغابة: كان في عبد الله دعابة وكان بدرياً، قال أبو سعيد: فبينما نحن في الطريق، فأوقد القوم ناراً، يصطلون عليها، ويصنعون عليها صنيعاً لهم، إذ قال: أليس لي عليكم السمع والطاعة، قالوا: بلى. قال فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار. فقام ناس: فتجمروا: أي شدوا أوساطهم، وهو فعل من يتهيأ حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها، قال: أمسكوا إنما كنت أضحك معكم.
ومنهم قال: إنما خرجنا للجهاد، طلبا للجنة، وفراراً من النار، فكيف نلقي أنفسنا فيها. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكروا ذلك له. فقال: أما إنهم لو دخلوها، ما خرجوا منها، إنما الطاعة بالمعروف، من أمركم بمعصية فلا تطيعوه» أخرجه الإمام أحمد بمسنده[3: 67]، وابن ماجه برقم [2863]، والحاكم [3: 630، 631] من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري في الزوائد ورقمه: [183] إسناده صحيح، وأشار إليه البخاري في صحيحه [8: 46] وفي المغازي في الترجمة فقال: باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزر المدلجي.
أما موقفه مع ملك الروم، فهو موقف المؤمن الثابت على إيمانه الذي لا يشتري بدينه عرضاً من أعراض الدنيا، بل إن الإيمان المتمكن من القلب، جعل له مهابة في القلوب، ومنح الله قلبه بذلك شجاعة لا يدانيها شيء.
بل إن المسلم المعتزّ بإسلامه، والمؤمن القويّ في إيمانه، يرى في هذه الحكاية، التي حصلت لعبد الله ابن حذافة، مع ملك الروم، موقفاً يمثل عزّة المسلم بنفسه وثباته على دينه، وتأثيره في غيره.
يقول أبو رافع وجّه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم، فأمرّوا عبد الله بن حذافة، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا إن هذا من أصحاب محمد، فقال: هل لك أن تتنصّر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما يملك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، طرفة عين، قال إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك.
فأمر به فصلب وقال للرماة، ارموه قريباً من بدنه، وهو يعرض عليه.. ويأبى فأنزله ودعا له بقدر، فصب فيها ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرين من المسلمين، فأمر بأحدهما فألقي فيها، وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم بكى فقيل للملك: إنه بكى، فظن أنه قد جزع، فقال ردّوه: ما أبكاك؟ قال: قلت هي نفس واحدة، تتلقى الساعة فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعر رأسي أنفس تلقى في النار في سبيل الله.
فقال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي، وأخلي عنك؟ فقال عبد الله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم.. فقبّل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسرى المسلمين، فقدم بالأسارى على عمر بالمدينة، فأخبروه الخبر، فقال عمر رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ. فقبّل رأسه. أخرجه ابن عساكر في تاريخه.
وقال الحافظ في الإصابة: وله شاهد من حديث ابن عباس.
وفي رواية ابن الأثير في أسد الغابة: قال له الطاغية: تنصّر وإلا ألقيتك في البقرة، لبقرة من نحاس كانت عنده، قال عبد الله: ما أفعل.. فدعا بالبقرة النحاسية فملئتْ زيتاً وأغليت ودعا برجل من أسرى المسلمين، فعرض عليه النصرانية فأبى، فألقاه في البقرة: فإذا عظامه تلوح، وقال لعبدالله: تنصّر وإلا ألقيتك. قال: ما أفعل. فأمر به أن يلقى في البقرة فبكى. فقالوا: قد جزع قد بكى قال: ردوه. فقال: لا ترى أني بكيت جزعاً مما تريد، أن تفعل بي، ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله.
فأعجب منه الملك وأحب أن يطلقه فقال: قبّل رأسي وأطلقك؟ قال ما أفعل. قال: تنصّر وأزوجك بنتي وأقاسمك ملكي؟ قال: ما أفعل. قال وقبل رأسي، ورأس ثمانين أسير من المسلمين.
قال: أما هذه فنعم.. فقبّل رأسه.
قال: فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم يمازحون عبد الله، فيقولون: قبّلت رأس علج، فيقول لهم: إن الله أطلق بهذه القبلة ثمانين من أسرى المسلمين.
أما رواية ابن عساكر لقصة إرساله إلى رئيس الفرس فقال: وروى جماعة دخل بعضهم في حديث بعض قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ستّ، أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب لهم كتباً.
فخرج ستة نفر منهم، في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وهو أحد الستة إلى كسرى العجم يدعوه إلى الإسلام، وكتب إليه كتاباً. قال عبد الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرئ عليه ثم أخذه فمزّقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مزق الله ملكه.
وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن، أن ابعث إلى هذا الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين، فليأتياني بخبره.
فبعث باذان قهرمانه، ورجلاً آخر، وكتب معهما كتاباً، فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهما إلى الإسلام.
وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجعا إليّ غداً فأخبر بما أريد، فجاء من الغد.. فقال لهما: أبلغا صاحبكم أن ربي قتل ربه كسرى في هذه الليلة، بسبع ساعات مضت منها، وهي ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وأن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله.
فرجعا إلى باذان وأخبراه بذلك.. فأسلم هو والأبناء الذين باليمن.