بينما تعلن داعش دولتها في شمال العراق وسوريا، تتردد مقولة مفادها أن الإسلام السياسي انتهى، وهي حسب وجهة نظري رؤية مشبعة بالرغبة في الخلاص من تيارات الإسلام السياسي، لكنها لا تستند إلى مراجعة حقيقية للحراك السياسي الديني في المنطقة، والذي لم يأت من فراغ، ولكن جاء بسبب إسقاطات متوالية من الفشل التنموي والسياسي في بعض دول المنطقة.
كانت مرحلة ما يُطلق عليه بالربيع العربي في بعض الدول العربية ودخول بعض تيارات الإسلام السياسي إلى المعركة الانتخابية فرصة ربما لا تعوض في بدء مرحلة ترويض بعض تيارات الإسلام السياسي، وذلك عبر إعطائهم فرصة في المشاركة من خلال دستور مدني، وبالتالي قبول مشروع تداول للسلطه في الدول المهيئة لذلك، وهو ما يجعل منهم في مواجهة تحديات التنمية والإقتصاد والسياسة ثم إدراك حجم تلك التحديات.
ما حدث بعد ذلك من صراع، أدى في نهاية الأمر إلى إعلان هزيمة الإسلام السياسي ونهايته من طرف واحد، وكان إعلان عدم قبول الإسلام السياسي في مشروع الدولة الحديث بمثابة انتكاسة عند الأتباع، وكان المستفيد الأول تيارات الإسلام الجهادي، والتي تقوم على استغلال الجهاد في سبيل الله، والذي يحظى بأعلى مراتب الأمر في الإسلام، فهو لا شك ذروة سنامه.
تساهم في ذلك طرق التعليم الدعوية، والتي تختزل العمل السياسي في الإسلام في الجهاد والاقتتال من أجل تأسيس دولة الخلافة، وذلك في قراءة خارج الزمن، يستغلها بعض المحرضين على العنف للوصول إلى إعلان الدولة الإسلامية من خلال أقصر الطرق وأكثرها دموية، وهو القتل والتفجير، رغم من مخالفتها لأصول وتاريخ الإسلام في مرحلته الراشدة.
قدم دعاة الإرهاب باسم الدين كثيراً من المبررات لإعلان رفضهم للدولة الحديثة في زمنها العربي المعاصر، لحجج كثيرة منها أنها فشلت في تحقيق التنمية، ولم تعالج قضايا الفساد المالي والإداري، ويساعد في ذلك انتشار مشاعر الإحباط بين كثير من المواطنين، خصوصاً في البلاد التي تعاني من أزمات الفقر والأمية، ويساهم في ذلك أيضاً انحياز بعض النخب مع الفكر الجهادي، ولا يتردد بعضهم من إعلان تأييده لفكر القاعدة.
لهذه الأسباب لا تستند مقولة نهاية الإسلام السياسي إلى أدلة واقعية، ولكن إلى أماني يطلقها بعض مثقفي القنوات الإعلامية، وإلى ترديدها بشكل متكرر، كأنها حقيقة مطلقة، بينما الواقع يخالف ذلك، وقد يحتاج أحدهم إلى رحلة إلى الأرياف والقرى في الدول العربية، ليشهدوا بعقولهم البيئة الحاضنة للفكر الجهادي والإرهابي، وليدركوا أسباب اندفاع الشباب في الالتحاق بمجموعات التطرف الديني.
التطرف الديني نتاج مرحلة كان من أحد أسبابها استغلال الدين، والذي وصل في مراحل إلى تجييش تلك العواطف من أجل قضايا سياسية، بينما تزداد حجم المعاناة بين بعض الفئات، بسبب اتساع الفجوة في دخل الفرد بين النخب والعامة، واختلال موازين فرص التعليم وتبوؤ المناصب القيادية بين أبناء المدن وأبناء الأرياف، وهو ما أدى إلى الشعور بالإقصاء، ثم الإرتماء في أحضان التطرف الديني.
خلاصة الأمر، أن نبرة التطرف الديني ازدادت في الآونة الأخيرة، بل أصبحت مناصرتها تُسمع من مختلف المنابر، وخصوصاً بعد انهيار الأمل في أن يحدث تقارب بين فلسفة الدولة الحديثة وبعض تيارات الإسلام السياسي.
وختاماً.. أجد أن مصطلح الإسلام السياسي لن ينتهي، وهو مصطلح عام، ولا تحتكره فئات عن أخرى، و يستغله كثير من السياسيين، وإن كان دستور الدولة علمانياً، أو كانت الدولة لا تطبق الشريعة الإسلامية.