في نهاية كل ربع سنوي، نقرأ أرقام الأرباح الفلكية لمؤسساتنا المالية، والتي تتصاعد عاماً، بعد عام، وربعاً، بعد ربع، ولكن هل سمع أحد منكم يوماً عن تبرع هذه المؤسسة، أو تلك لمشروع خيري، أو مبادرة لبناء مركز تدريب، أو مساهمة لمواطن محتاج، وتتكرر هذه التساؤلات بشكل مستمر، دون إجابة مقنعة، فالمؤسسات المالية في معظم بلاد الدنيا، بما في ذلك الدول الفقيرة، تساهم في تنمية مجتمعاتها، دون أن يطلب منها ذلك، وقد عاد التساؤل مرة أخرى، وذلك بعد حادثة شرورة الإرهابية، إذ إن الدولة قامت بواجبها في دعم شهداء الواجب، ولكن ضجت وسائل التواصل، والمجالس عن دور رجال الأعمال، والمؤسسات المالية في مثل هذه الحالات، والتي يتداخل فيها الوطني بالإنساني، ولكن، وكالعادة، لا مجيب. كتبت مقالات عدة، في هذه الجريدة، عن تقصير أهل المال، والأعمال تجاه مجتمعهم، خصوصاً أننا المجتمع الوحيد الذي لا يدفع فيه التاجر، أو المؤسسة المالية أي ضرائب، بل ويحصلون على كل أشكال التسهيلات، كالقروض، وغيرها، ومع ذلك فبعض أثريائنا لا يكتفون بعدم الاكتراث بالمساهمة في العمل الخيري، بل إن بعضهم يزاحم الفقير المعدم على سرير المستشفى، ومقعد الجامعة، ولا يمكن أن أنسى ما ذكره لي مدير إحدى جامعاتنا ذات يوم، إذ أكد أن بعض الأثرياء هم الأكثر إلحاحاً على قبول أبنائهم، بل إن الفقير لا يلح كما يفعل بعضهم، مع أن أحدهم يستطيع تعليم ابنه في أرقى جامعة عالمية، دون أن تتأثر ثروته، وهذه حالة غريبة يندر أن يوجد لها مثيل في أي مكان على ظهر المعمورة.
قبل حوالي عقد من الزمن، تشرفت جامعة الملك سعود بزيارة ولي العهد حينها، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لرعاية إحدى مناسباتها، وحضر معه سمو النائب الثاني حينها، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وأمير منطقة الرياض، ولي العهد الحالي، الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ومعهم بعض كبار المسؤولين، وبعد نهاية المناسبة شرّف سمو ولي العهد أعضاء مجلس الجامعة بلقاء خاص، اختفت فيه الرسميات، والتغطية الإعلامية، وطلب منا - كعادته حفظه الله في الأريحية - ألا نتحفظ على أي سؤال،، وتم طرح الكثير من التساؤلات من الزملاء حول قضايا كثيرة، وقد طرح أحد الزملاء سؤالاً حول تقصير البنوك حيال خدمة المجتمع، وهو السؤال الذي لاقى استحساناً من راعي المناسبة، وحينها أجاب وزير المالية، الدكتور إبراهيم العساف، إن البنوك عبارة عن شركات مساهمة، ولا يمكن لها التبرع، دون موافقة المساهمين، وهو تبرير يبدو مقنعاً من أول وهلة.
هذا، ولكن أليس بإمكان مجالس إدارة البنوك، وهم من يمثلون المساهمين، أن يتخذوا قراراً بتخصيص نسبة سنوية ضئيلة، وثابتة من الأرباح (واحد في المائة مثلاً)، وهي ما تعني عشرات الملايين لبنك واحد، ومئات الملايين لمعظم البنوك، وبهذا يكون البنك قد ساهم في خدمة المجتمع، دون أن تتأثر أرباحه الكبيرة، وليعلم القائمون على المؤسسات المالية أن هذا هو أقل ما يمكن تقديمه للمجتمع، فهل تراهم سيتحركون، أم أن الأمر سيستمر على ذات الوتيرة السابقة؟!.