ضم القرم كسابقة لحل نزاعات مثل نزاعي التبت وكشمير، فلم يقتصر القلق على الدول الغربية، بل أصاب القلق كذلك الهند والصين وحتى تنديد دول البريكس بالعقوبات ضد روسيا التي لم تشر إلى القرم أو أكرانيا، في الوقت الذي بدا فيه أنه يعاد رسم خريطة الطاقة في أوروبا مع التعجيل بالتحرك لخفض الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.
ويحصل الاتحاد الأوروبي على ثلث احتياجاته من النفط والغاز من روسيا نحو 133 مليار متر مكعب ويمر نحو 50 في المائة من الغاز الروسي عبر أوكرانيا بنحو 65 مليار متر مكعب، وتتطلع أوروبا إلى الاستفادة من احتياطيات الغاز الصخري والتوسع في توليد الكهرباء من الطاقة النووية رغم المخاوف البيئية.
استثمرت الصين الأزمة الأوكرانية وحاولت إحداث تقارب أقوى مع روسيا عن طريق شراكة في مجال الطاقة مع مد خطوط أنابيب جديدة لضخ النفط والغاز من روسيا إلى بكين من خلال عقد صفقة سميت بصفقة تاريخية بـ 400 مليار دولار على مدار 30 عاماً، اعتبرها بوتين نصرا رمزياً له في تأسيس شراكة آسيوية جديدة.
الأزمة الأوكرانية أظهرت أهمية تطوير البنية التحتية للطاقة وبناء الترابط بين الدول الأعضاء من أجل تعزيز أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي بشكل عام. جرى بحث تمويل تدابير كفاءة الطاقة، وتمويل مشروعات مشتركة في القطاع، وتعزيز التماسك بين أمن إمدادات الطاقة والإستراتيجية الأوروبية للطاقة والمناخ 2030 إلى جانب تطوير مصادر الاتحاد الأوروبي الذاتية المتجددة والتقليدية.
استيراد أوروبا أكثر من نصف حاجتها من الطاقة اعتبرها رئيس الوزراء البولندي واحدة من نقاط الضعف الاستراتيجية الأكثر وضوحا مما تجبر دول الاتحاد على تقييم أوجه القصور في شبكات الطاقة.. وهناك صعوبات تواجه بناء سوق طاقة موحدة بسبب أن التقارب الكامل للطاقة يحتاج إلى ما هو أكثر من خطوط ربط، وتدرس إسبانيا خطوط ربط تحت البحر مع بريطانيا طولها 895 كيلومتراً، مع أن بناء خطوط بين إسبانيا وفرنسا ربط بمسافة 64.5 كيلو متر استغرق أكثر من ثلاثة عقود.
كما أن البنية التحتية للغاز تعتبر مسببة للخلاف السياسي أكثر بكثير، فبلغاريا تخضع للضغط من روسيا لاستضافة جزء من خط أنابيب ساوث ستريم، في حين أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يعترضون على أنها تخالف قوانين التنافسية، بالمثل قامت برلين بإغضاب وارسو بسبب خط أنابيب نورد ستريم الذي يقوم بإرسال الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بولندا.
تخلص الاتحاد الأوروبي من الاعتماد على روسيا لن يكون سريعاً، بل إن الأزمة الأوكرانية أكدت أمرين الأول تواصل أوروبا أنقسامها بسبب قضايا أمن الطاقة، والثاني تواضع المسائل المتعلقة بالطاقة مقارنة بالمخاوف إزاء التباعد بين أحزاب اليمين واليسار في السياسة الأوروبية.