ليس خياراً ذاتياً أن يتأمل المرء فيما يدور من حوله في المجتمعات البشرية على مستوى المواقف الفكرية، والتنفيذية..، والاستهلاكية..، بل هو مشهدٌ فارض ذاتَه ، وباسط للجميع تفاصيلَه، إلا ما كان خفياً عن العامة..
ليجد المتأمل فيه أن الممعنين في تشويه الذات كثر..، وكثر على اختلاف مشاربهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم، وآرائهم، وقناعاتهم، وتحالف الكبار منهم، وقراراتهم..
الأغلبية في المشهد يتمددون..، يتشعبون كما الطحالب المتسلقة على جدار الوصولية تحثهم غاياتهم، وتسيِّرهم خططهم إليها،..
لكنهم يتجاهلون بأن غلالات التجميل لا محالة فانية مهما كانت كثيفة ..، أو متماسكة..
فالنهايات تتكسر فيها مجاديف البطولة في بحور الزيف..، ويرسو الصادقون مهما بعدت المسافات وطال الانتظار..
هذا على مستوى نواميس الكون في سننه الأبدية..
مع أن الإنسان لتلك النهايات لا يحسب، فالراهن الذي يراهن فيه على غاياته يرنو على نفسه....
وعادة من لا يتعمق في عمقه..، سيطفو على السطوح يوماً..
وعادة أيضاً أن في المجتمعات البشرية لا تتجانس الناس أبداً، وليس من الثوابت أن يتفق كل الناس، أو يتشابهون..
غير أن المتشابهين فيها يختلفون أيضاً.. وإن كانوا يتحالفون على أمر، أو قضية، أو معتقدات، أو آراء..
في هذه المجتمعات البشرية الصادقون وحدهم هم أولئك المستيقنون من رسالتهم على الأرض، ومتيقنون من نهاياتهم.. مع أنهم قلة ويكابدون إلا أنهم يزرعون فسائل التوافق ما استطاعوا، ويحرثون في ثرى الإسعاد ما تمكنوا، ويرشون على صحراء النفوس رذاذ أمطار الصفاء الندية ما وسعت نفوسهم، وعلت هممهم..، همهم الأول التعايش في سلم..، والحياة على وتيرة اليوم الذي يتجدد مع ثبوت جريان الكواكب، وسرمدية النواميس.. إلا أنهم مؤمنون بدورهم..
هؤلاء وإن قلوا إلا أنهم نافذة للأمل، وبؤرة للاطمئنان..
والنواميس الكونية في الخلق تؤيد ثبات الخط بين الأبيض، والأسود..
إن المتأمل في مشهد الأرض القائم يدرك تماماً أنها مرحلة مهمة في مفاصل الحياة البشرية، هذه التي نعيشها على مستوى أحداث العالم، وفيها يطفو كل شيء، وسيسفر عن خبايا كثيرة، ونهايات لا محالة ستعبئ سجل التاريخ بالذي تصنعه أمم الأرض من الأحياء الآن، الأموات بعد اليوم..!
إنه تأريخ حافل لأجيال ستحل فوق الأرض في هذا العالم الشاسع الذي يسم نفسه بالكوني في علاقاته، لكن غثه أكثر من سمينه، وخيباته أوسع مما في أحلامه، وخذلانه أشد مما يتوقع المتأملون في اندحاراته المتلاحقة.