الذي دعاني للكتابة عن هذا الموضوع هو أنني التقيت مع بعض أولياء الأمور في أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام 1435، ودار حديث عن موضوع ابتعاث الطالبات، وأن بعضهم متخوف من الموافقة او مرافقة بناتهم للدراسة في الخارج، لأن موضوع المبتعثة التي لاقت حتفها في بريطانيا ما زال عالقاً في الأذهان!! فقلت لهم: لقد تعلمنا في مسيرتنا الحياتية
على سطح هذا الكوكب الذي خلقنا عليه أن الموت حق، ومهما تعددت أسبابه فهو واحد، وأنه من علم الغيبيات التي نؤمن بها إيماناً راسخاً، فلا يعلم أحد متى؟ وكيف؟ ومكان موت الإنسان؟ إلا خالقه رب العالمين.
المطلع على تسونامي الأسباب التي وردت بعد مقتل طالبة العلم ومبتعثة الوطن ناهد الزيد المانع يدرك حجم التفسيرات والآراء المتلاطمة حول موت هذه الشهيدة التي يحق لنا أن نفتخر بموتها، فهو موت الأبطال، الموت في طلب العلم وسبيله، فهذا موت مع مرتبة الشرف الأولى، فهنيئاً لها هذه الشهادة المكرمة.
يفكر بعض الناس أن للموت أسباباً معروفه، ويذهبون مذاهب شتى في التحليل والتفسير والتشخيص، ومن هذه التفسيرات أو الأسباب التي وردت عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو «أخذ التعهد على المبتعث سواء كان ذكراً أو أنثى بضرورة الابتعاث ومنهم ناهد الوطن التي ابتعثت لدراسة الدكتوراه فسفرها وابتعاثها من أسباب قتلها، ولهذا فلا داعي للابتعاث أطلاقاً بل يجب إلغاءه»، على حد قول هؤلاء المحللين.
هذه الأسباب وغيرها تذكرنا بقصة معروفة في التراث وهي قصة (وجع خيطان)، وملخص هذه القصة باختصار شديد هو أن هناك رجلاً اسمه خيطان يخاف من الموت خوفاً شديداً، وكان لا يرى محمولاً على نعش إلا ويذهب ويسأل عن أسباب الوفاة؟؟!! وكانت الإجابات تأتيه أما ساقطاً من جدار أو من نخلة أو من سيارة، وكان رده أنه لن يفعل مثل فعل هذا الميت، فلن يركب سيارة!! ولن يمشي فوق جدار!! ولن يتسلق نخلة!! وأخيراً سأل عن سبب وفاة محمول؟ فقالوا له إنه كان نائماً في فراشة صحيحاً معافى فمات فجأة، فرد عليهم هذا (وجع خيطان)!!. وصارت مثلاً دارجاً بعد ذلك ..
ولا شك أن السفر لطلب العلم وغيره من خلال برامج الابتعاث الواعدة ليس له أي دور في عمليات القتل، فالسفر والتعرض لقدر الله من قتل أو موت لا يمكن أن نحمله هذه النتائج وألا أصبح العلم والعبادة والتجارة وغيرها معرضة للإلغاء كما قد يتخيل البعض.
إن وفاة شهيدة الوطن هو درس لنا جميعاً، فطريق العلم ليس سهلاً، ولن نتهيب صعوده، ونعرف أننا نلعق الصبر لتحقيق المجد كما نؤمن بأن ناهد لم تمت، ودليلنا واضح فهي وإن كانت ترقد في قبرها فذكراها سوف تسري في عقولنا جيلاً بعد جيل، ولن تزيدنا شهادتها إلا إصراراً على طلب العلم من أي مكان نجد فيه ضالتنا..
القتل سواء لناهد أو لأي إنسان مهما كان يعد جرماً لا يمكن غفرانه أو تبريره بأي مبرر كان، فقتل النفس البشرية ثمنها باهظ ولا يمكن تسديده، لأن قتلها كمن قتل الناس جميعاً، كما أن إحياء النفس إحياء للناس جميعاً، والإحياء مرتبط ارتباطاً قوياً بالقصاص فهو الحياة مصداقاً لقول الحق {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ولهذا نجد القوانين البشرية المستمدة من الكتب السماوية تؤكد على أن «القاتل يقتل»، لأن هذا هو الحل الوحيد المرضي لكل الأطراف، كما أنه الرادع لمن تسول له نفسه العبث بالأرواح والأمن والاستقرار للشعوب قاطبة. ولهذا فالمطالبة بالبحث عن قاتل الشهيدة ناهد وتقديمه للعدالة هو مطلب إنساني بحت لا مفر منه.. ونحن على يقين بأن هذا ما سوف يتحقق.. أما نقل القضية من قضية قتل إلى قضية موت مرتبط بتعهدات المبتعثين فهذا ضرب من الوهم الذي يجب إزالته من الأذهان. أرجو لمبتعثينا السلامة وأن يعودوا إلى الوطن للمشاركة في التنمية المزدهرة التي يعيشها وأن يحققوا الأهداف التي من أجلها ابتعثوا للدراسة في الخارج... والله من وراء القصد.