تمنيت دائماً أن أجالس إحدى كبيرات السن وتحدثني عن زمنهم الطاهر.
أتشوق لسماع كيف كانوا يعيشون وماذا يأكلون وأين ينامون كل ما أريد معرفته عن (كيف كانوا!) وبحثت كثيراً عمن ستجيبني.
فتحقق مطلبي/ وجدتها، كانت تملك إجابات مناسبة لكل ما أريد وتحب أن تروي ما لديها فأمسكت بفرصتي وبدأت أسألها وأخبرها عما أريد أن أعرف.
تحكي فغرقت معها في حوار طويل عن طفولتها وطفولة أمها.
وها أنا أكتب لكم القليل من كثير:
(كيف كنتم تتزوجون؟)
« بعضنا أوكلنا لا تسأل الفتاة عن إذا كانت تريد الزواج أم لا»
فقط يخبرونها أنها غداً سوف تتزوج أو بعد غد.
إما برجل تعرفه او آخر لم تسمع به ولم تره قط.
وغالبيتنا بلا مهر، ومن المهر أن تعطى كيس تمر.
ومن القصص:رجل ذهب لشراء السكر فلم يكن معه ما يكفي من المال.
فزوج للبائع ابنته على الكتاب والسنة»
(كيف تلد النساء؟)
«يعلق حبلان بالسقف ويترك طرفاهما متدليين فتمسك بهما وتساعدها إحدى النساء، هذا بعضن، وبعضهن تلد بلا مساعدة تلد لوحدها لتأخر الوقت أو بعدها عن المساعدة، وروت لي قصة امرأة:
كانت تحصد الزرع لدى أسرة تعمل لهم وهي حبلى فحانت لحظة الولادة، بينما هي تعمل وأنجبته لوحدها وقطعت حبله بالسكين التي كانت تقطع الزرع بها قبل قليل.
أما الأطفال فكانوا بلا ما تسمونه بالحفاظات وتمتلئ الأم بنجاسات طفلها كل حين».
*(ماذا تأكلون؟)
«كانت أمي تبيع الآنية التي لديها وتأخذ عنها عبس التمر فتحمسه على النار ثم تطحنه ونأكله إما جافاً أو مخلوطاً بالماء
وبعضهم يخرج ليلاً ليسرق من محاصيل التجار خوفاً على أبنائه من الموت، وقالت لي قصة إحداهن:
كانت تخرج في أول الفجر لتقف يوماً كاملا عند بئر ماء تنتظر دورها لتملأ قربةً من الماء ويحين الليل فتنام وفي اليوم التالي تصعد جبل بمسافة كيلوين ثم تبيع الماء على سكان أعلى الجبل ليعطوها بدله كيس طحين بحجم الكف، وفي اليوم الثالث تعود لبيتها لتطعمهم من الطحين وتعاود العمل مرة أخرى لأجلهم، وأخبرتني أيضاً عن رجلين من أقاربها ذهبا للعراق بحثاً عن لقمة العيش ولم يعودا حتى يومنا هذا»
(ماذا تلبسون؟)
«غالبيتنا ثوب واحد للشتاء وثوب آخر للصيف عدا الأغنياء بمالهم فنحن أغنياء بربنا»
(أين تنامون؟)
على ساحة -فرشة- من صوف كما بيوت الشعر الآن، نعم تخدشنا لكن ننام، وهناك من ينام على الأرض بلا شيء، وفي الشتاء يكاد يموت بعضنا برداً، وحدثتني عن امرأة كانت تستحيي أن تستحم في النهار خوفاً من أن يراها أحد فتستحم ليلاً في بركة تغطيها طبقة جليد، تبعده بيدها وتستحم»
(أين تعملون وكم من المال تأخذون؟)
«الريال كان يعادل ألف ريال الآن فمن يملك خمسين ريالا كمن يملك خمسين ألف، فهناك من يعمل بدخل ثلث ريال في الشهر وهناك من يعمل بريالين في الشهر، وهناك من يعمل بلا مال فقط يأمنون له الغداء والعشاء، والذبيحة كانت تباع بريال أو نصف ريال فقط.
ومن إحدى القصص: عن رجل ذهب لحضور إحدى الزواجات فكسر فنجان الشاي الذي كان يشرب به فعمل بإحدى المزارع أربعة أيام ليوفر المال لشراء فنجان آخر يرده لهم»
«سمعت كل ما هو غريب وعجيب عنهم ولم أكتب لكم منه الكثير، سبحان الله - ليتكم تسمعون منها، لتدركوا النعمة التي أنتم فيها جالسوهم واسمعوا منهم، ليس عن حياتهم فقط بل أيضاً عن قصصهم وقصص آبائهم، واحمدوا الله كثيراً لحالنا الآن.