سرني كثيراً ما كتبه الزميل الأستاذ محمد بن عبد العزيز الفيصل في هذه الصحيفة عن الملك الراحل سعود بن عبد العزيز تحت عنوان (الملك سعود والمشراق) وهو قراءة جميلة لتاريخ هذا الملك العظيم الذي كان الذراع اليمنى لمؤسس هذا الكيان المملكة العربية السعودية، وهو كما هو معروف وأشار إليه الكاتب مؤسس للكثير من الأنظمة في المملكة، بل وأقول هو المؤسس للكثير من المنشآت والصروح الهامة في المملكة، فمجمع الملك سعود الطبي هو من قام بالأمر به وافتتحه، وأتذكر مقولة ينقلها والدي - رحمه الله - عن الملك سعود إبان افتتاح المستشفى بمساحته الكبيرة عندما قيل له أن الأرض المسورة حول المستشفى كبيرة جداً فقال: سيأتي اليوم الذي تجدونه مزدحماً، فكانت نظرة إستراتيجية ثاقبة منه - رحمه الله - وهو المؤسس لجامعة الملك سعود، ولأغلب الوزارات،ولعل المتفحص لكل المشاريع التي تمت في عهده يلحظ نظرته المستقبلية الهامة في جزئية مهمة وهي مساحة الأرض المقامة عليها أي منشأة فقد كانت كبيرة جداً استفادت منها هذه الوزارات حتى يومنا هذا، وهذا كما أسلفت يعطي الراصد قراءة لفكر هذا الملك المستقبلي الاقتصادي الذي ما زال أثره قائماً حتى اليوم.
الملك سعود كان جيله يطلق عليه لقب (أبو خيرين) فقد كان خيراً عميماً على شعبه، بل كان لا يفصله عن أي من أفراد شعبه أي فاصل مادي أو معنوي، فتواصله شبه اليومي كان هو السمة الغالبة على شخصيته - رحمه الله -تقول جريدة ورلدبروليوم «الأميركية:
إن جلالة الملك الجديد سعود بن عبد العزيز قوي ومقتدر على أن يخلف والده الراحل العظيم وجلالته مدرب في فن الحكم ، كما أنه مطلع على أحوال العالم ، فقد جاب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والأقطار العربية والإسلامية وهو فوق كل ذلك يتمتع باحترام حقيقي من شعبه ومن الأجانب الذين كانت لهم معه علاقات تجارية أو دبلوماسية . وهو محارب يرغب في السلم ، ومسلم تقي يحترم عقائد الآخرين .
قالت جريدة الصريح الصادرة في القدس عند تولي الملك سعود مقاليد الحكم خلفاً لوالده :
وصاحب الجلالة سعود بن عبد العزيز قد اختط لنفسه ومنذ توليه عرش أبيه ، سياسة جديدة في تاريخ الجزيرة فهو دائب على توثيق أواصر الأخوة العربية والإسلامية بين العرب والمسلمين يعمل لهذه الغاية بنفسه ويتنقل من بلد إلى آخر لتحقيقها .
وجلالته يحيط قضية فلسطين بعطفه ورعايته . ويبذل لها في غير حساب ويتحمل في سياستها ما يتحمل من مشاق التجول في بلاد العرب والمسلمين لتوحيد الكلمة وتنظيم العمل المشترك ..
أما المسجد الأقصى فقد كان على استعداد لإصلاحه على نفقته الخاصة لولا أنه أراد إفساح المجال أمام إخوانه ملوك ورؤساء العرب ولقد ترجمت برقية جلالته في هذا الشأن عن شعوره الصادق نحو أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ولن يفوتنا تبرع جلالته السخي لإنشاء مبرة في القدس تحمل اسمه الكريم - كما فعل من قبل في بيروت ودمشق وغيرها - فإن هذه الأعمال المجيدة تشهد للعاهل العربي الكريم برغبته الشديدة في خدمة العالمين العربي والإسلامي خدمة صادقة يقصد بها وجه ربه الكريم وأمته وبلاده.
كتبت زينب الغزالي الجبيلي عن شخصية الملك سعود قائلة:
وأبرز ما في شخصية سعود إيمانه بدينه عن دراسة وتحقيق وبحث ، فهو مسلم عامل بالإسلام لا ليرضى رعيته ويجمع حوله شعبه ولكن لأنه يعرف الإسلام حق المعرفة ، فالإسلام يجرى منه وجوداً في نبضات قلبه ويتألق نوراً في خلجات نفسه ، ويشع إشراقاً في تقاسيم وجهه ، لذلك فهو يقيم أركان الإسلام بروحه وجوارحه مؤمنا به معتقداً في عدالته ولا يرى الإسلام أبداً إلا حكماً وسياسة وعبادة ، ولا يعتقد أن الإسلام يكون على حقيقته في نفوس المسلمين وأحكامه معطلة بل هو على أتم استعداد لبذل روحه وماله وجاهه وكل ما يملك في سبيل إسعاد رعيته ما دامت مسلمة منفذة لأحكام الإسلام.
وفي نفس الوقت لا يتأخر أبداً عن قتال وتأديب أي خارج على الدين أو مفرط في حد من حدوده. وكما تجده ملكا عظيما تجده مسلماً عاملا ، وهو أب عطوف وزوج رحيم وأخ كريم، ورأيت جلالته وهو يجلس بين زوجه وأبنائه وأفراد أسرته ، كأنه الرحمة المنسابة من جداولها والمودة الخالصة من منابع الحب والصداقة الصافية والأخوة الكريمة.
ولذلك : فهو مطاع عن حب أكثر من مطاع عن رهبة، والرعية عندما تستمد ولاءها لراعيها من تجاوب المحبة المتبادلة بينها وبينه يستقر فيها الحكم ويستتب الأمن الذي يمكن الحاكم من التفرغ لمصالح الرعية ويصرف الرعية إلى العمل والاطمئنان والإنتاج المستمر وعلى الجملة فشخصية سعود شخصية فذة أقامتها عروبة أصيلة خالصة فأمه من أصول نجد وأبوه من سويداء أصول سراتها فهو سليل العروبة وفرعها الزكي.
ولقد برزت شخصية سعود الحربية منذ نشأته الأولى - فهو مقاتل مبرز وقائد محنك وعبقري في رسم خطة الغزو ، وداهية في فهم أعدائه ودراسة أطماعهم والوصول إلى سر سياسة غزوهم كما أنه داهية سياسية في الوصول إلى ما يثني به أعداءه عن عزمهم في القتال والتسليم له والانقياد لإمرته.
والذي يدرس غزواته وحروب والده التي قاد سعود جيوشها وعاد منها جميعاً منتصراً يعلم ذلك عن دراسة ويعلم كيف يدين للمكارم والشجاعة والبطولة والفروسية والمحامد المتألقة في شخصية سعود القوية الجذابة .
أختم هذه المقالة بما ختم به الأخ محمد الفيصل فأقول إن شخصية الملك سعود بن عبد العزيز من الشخصيات التي ما زالت بحاجة إلى الكثير من البحث والدراسة، ليس لكونه ملكاً سعودياً، ولكن لما تحمله شخصيته وإنجازاته من بعداً مهماً في السياسة والاقتصاد والتنمية، وسبق أن قلت هذا لحفيده صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز بصفته باحثاً يعول عليه كثيراً في تسجيل تاريخ وإنجازات هذا الوطن الكبير.
شكراً محمد الفيصل على أن فتحت هذا الموضوع.
والله المستعان.