اليوم سأخرج عن منهجي الكتابي لاول مرة لأكتب خواطر تتعلق بشخصي. ساعرض هنا بعضا مما بقي في ذاكرتي حيال موقف مررت به قبل أقل من نصف قرن تقريبا.
بعد تخرجي من الثانوية العامة تم قبولي في كلية التربية بجامعة الرياض، وبعد أن أمضيت عامي الدراسي الأول في الكلية أعلنت وزارة المعارف أنها سوف تبتعث عدداً من خريجي الثانوية العامة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة هندسة الاتصالات السلكية واللاسلكية (لصالح وزارة المواصلات).
تم قبولي ضمن المبتعثين، وسحبت أصول اوراق ملفي من كلية التربية وقدمتها لوزارة المعارف ضمن اوراق البعثة.
كان والدي رحمه الله معارضا تماما لفكرة البعثة، لكني كنت مصرا عليها. استعان والدي بوجهاء وأكاديميين لاقناعي بالعدول عن موضوع البعثة وتأجيلها الى ما بعد البكالوريوس، لم تفلح هذه المحاولة. كان علي أن أحصل على فيزة دخول أمريكا، وكانت سفارة أمريكا آنذاك في جدة. لم يسمح لي الوالد بالذهاب الى السفارة الأمريكية بجدة خوفا علي، فقرر ان يذهب بنفسه الى جدة لانجاز موضوع الفيزة. وفي صباح ذات يوم توجه والدي الى (استيشن الحجاز)، وهي محطة الباصات المتجهة الى جدة، أما أنا فذهبت في ذلك الصباح الى وزارة المعارف لمتابعة موضوع البعثة، وهناك تغير كل شيء، قابلت المسؤول فهول الأمر علي، وأقنعني بصعوبة الدراسة وطول مدتها (قد يكون هدفه ادخال شخص مكاني)، ققررت حينها التراجع عن فكرة البعثة، فخرجت مسرعا الى شارع المطار واوقفت تاكسي وطالبته بسرعة التوجه الى محطة الباصات (في حي عتيقة)، وعندما اقتربت من المحطة لمحت رأس والدي في الباص الذي غادر للتو المحطة، لحقنا الباص وأوقفناه، صعدت الباص واخبرت والدي بتراجعي عن فكرة البعثة، كانت فرحة عظيمة ارتسمت على محيا وجه ابي عندما عرف الخبر، وعندما نزلنا من الباص اقترح علي والدي أن ندخل المقهى المقابل لتناول (نخب) من الشاي ابتهاجا بهذه المناسبة، فوافقته.
عدت لكليتي كلية التربية فقبلتني مؤقتا بدون اوراقي الرسمية التي ذهبت الى الملحقية الثقافية بامريكا.