الدرعية.. تلك القرية الوادعة الطيبة، القابعة بين أحضان وادي حنيفة والمحاطة بجذوع النخيل الباسقة.. إنها التاريخ المزين بأبهى صور ملاحم وبطولات أبناء هذا الوطن، العاصمة الأولى والرمز الأشم في وجدان أجيال المملكة. ما ألهمني حقاً لكتابة هذا المقال هو رواية ليست مطبوعة بعد للكاتب محمد بن ابراهيم بن خميس، تدور أحداثها الشيقة في تلك القرية التي يسميها أهلها «بدار المجد» ويسرد الكاتب من خلالها كل الأحداث التاريخية الفارقة والمفصلية التي مرت بتلك البقعة، كحصار إبراهيم باشا وجيشه لها على مدى خمسة أشهر، وانطلاق دعوة الشيخ محمد بن عبالوهاب، واتخاذها عاصمة للدولة السعودية الأولى تحت إمامة عبدلله بن سعود، شعرت أثناء قرأتها بأني أمام مكان جديد لا أعرف عن الكثير سوى ما قرأته في الكتب المدرسية بلغة جامدة يشوبها الكثير من التقليدية والملل، ما يجعل تذكرها واستحضارها اليوم مهمة شبه مستحيلة.
كل ذلك التاريخ الطويل الذي يكتب قصة تبلور قوة ونضج الدولة السعودية حتى يومنا هذا، لم يتعرض لكثير من التناول والطرح الذي يليق به إعلامياً، بل وإنه وبالرغم من أن أكبر مؤسسات الإعلام في الوطن العربي مملوكة وممولة من قبل رجال أعمال سعوديين، يسيطرون على منابع صناعة الإعلام والتأثير القوي في الرأي العام إلا أننا لم نشهد حتى اليوم إنتاج مسلسل تاريخي بعدسة احترافية يتناول ووقائع وقصص من وحي تاريخ المملكة وأحداثها المفصلية أو رموزها العظام، كما شاهدنا إنتاجات ضخمة لملوك مصر مثلا ً كالملك فاروق والخديوي اسماعيل! بل كل ما شاهدناه مسلسلات بدوية تقليدية بالخيمة والفارس والخيل وتلك العيون البدوية المستهلكة، والحبكة الدرامية الهشة.
نحن بحاجة إلى إنتاج درامي ضخم يتناول حقب مهمة من تاريخ السعودية الحافل بأروع قصص الكفاح والبطولة وشق الطريق، لأننا وبكل بساطة نعيش عصر الصوت الصورة الفنية الاحترافية بكافة تجليلاتها وسحرها وتأثيرها على العامة والدهماء.. فإن لم نلتفت لتاريخنا ونحتفي بأبرز صوره ورموزه فمن يا ترى سيفعل ذلك؟ وإن لم ننتج أفلاما ً ومسلسلات تتناول هذه الحقب والمواقع التراثية بقصصها الشيقة وناسها البسطاء في زمن الصورة والنص فمتى يا ترى سنفعل؟ أسئلة مهمة أطرحها على رجالات الإعلام وصانعيها فهل من مجيب؟