تُجسِّد نماذج الشعر الشعبي الجزل معاقل الرجولة الحقة ومكارم الأخلاق والقيم النبيلة وتحفز همم الشباب لكل ما فيه صالح دينهم ودنياهم وسلوكهم السوي ولاسيما أن كبار الشعراء لهم تجربتهم المتبلورة تماماً في الحياة، وبالتالي، فإن فحوى هذه التجارب قصائد رفيعة في مضامينها تتسق مع فطرتهم الإسلامية السليمة، ونهجهم المثالي المنبثق من عادات وتقاليد المجتمع السعودي المشرف احتكاماً إلى أنبل القيم والمبادئ المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومرحلة الشباب من العمر هي مرتكز الإنجازات، وتحقيق الأماني ويتخللها (مرحلة طور التكوين ونقص عمر التجربة) التي يكون صاحبها بأمسّ الحاجة لنهل معين خبرة من سبقوه وهو أمر لا يتأتى إلاَّ باقتباس ضوء أصحاب الخبرة الطويلة والحكمة والرأي السديد؛ فإذا ما تمكن الشاب من قرن ما أشير إليه بهمّته ومواكبته وتجدده ومحافظته على هذه المرحلة من مراحل العمر الذي سيسأل عما أبلاه وأفناه فيه، فقد تمكن من عنان دربه السوي، وإن كان الكمال ليس من صفات البشر بأي حال يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
إنَّ الشَبِيبَةَ نارُُ إِنْ أَرَدْتَ بها
أَمراً فَبَادِرْهُ إِنّ الدَّهْرَ مُطْفِيهُا
فالتواني وتأجيل عمل اليوم إلى الغد هو ضرب من أوهام العاجزين ومن الكسل الُمسْتَعاذ منه في الأثر، يقول الشاعر أبو العتاهية:
كَمْ مِن مُؤَخِّرِ غَايَةٍ قَد أَمكَنَت
لِغَدٍ وَلَيْسَ غَدٌٌ لَهُ بِمُواتِي
حَتّى إذا فَاتتْ وفاتَ طلابُها
ذَهَبَتْ عليها نفسهُ حسراتِ
والتوكل على الله هو صنو الهمة العالية والغاية النبيلة، يقول الإمام تركي بن عبدالله آل سعود -رحمه الله:
إكفخ بجنحان السعد لا تدرَّا
فالعمر ما ياقاه كثر المداري
ما في يد المخلوق نفعٍ وضَرَّا
مَا قَدَّر الباري على العبد جاري
ويقول الشاعر راشد الخلاوي رحمه الله محدداً أهمية ما يستوجب على المرء أن يجنيه بهذه المرحلة من عمره:
من لا يحوش المرجله في شبابه
ما عاد يدركها إلى صار شايب
ومن خاب في أول صباه من الثنا
فهو لازمٍ في تالي العمر خايب
ولأن البحث عن الرزق المشروع هو من نتاج تحفيز الهمم؛ فقد صوّر بعض حالاتها الشاعر بديوي الوقداني رحمه الله المتوفى سنة 1296هـ:
حث المطايا وشرّقها وغرّبها
واقطع بها كل فجٍ دارسٍ خالي
إطعن نحور الفيافي مع ترايبها
وابعد عن الهم تمسي خالي البالي
الأرض لله نمشي في مناكبها
والله قدّر لنا أرزاق وآجالي
كما يجب أن يتمثّل المرء كل شيم أرومته وقيمها ومكارمها في كل خطواته المشرفة في سجل حياته الفانية، يقول الشيخ سعدون العواجي:
لعل ورعٍ ما مشى درب أهاليه
تشلق عليه جيوبها المحصناتي
ويقول الأمير الشاعر عبدالله الفيصل -رحمه الله- في قصيدة موثقة في ديوانه كتبها في مقتبل العمر ومرحلة الشباب:
والله ما أخلّي الجود دامه مهيَّا
وان عاضبت فالقل عذري عن العيب
أخاف من هرج المقاريد فِيَّا
لين إمتلى وجهي ورأسي من الشيب
ويقول الأمير الشاعر عبدالرحمن بن أحمد السديري -رحمه الله- مضمّناً هذه المرحلة من العمر أهمية العمل، وكيف أن الحصاد سيعقب ما بُذر من زرع وجهده وعرق لكل مجتهد بدقة متناهية:
كل ما يمضي يفوتك ولا فيه اختيار
يبذر البذَّار والخاتمه عند الحصاد
من تهاون هان والهون عنوان البوار
العمل والجد صعبات مرقاهن سناد
كل حيٍّ ينتهي لو مخاليبه كبار
والبقاء لله ويبقى عمل بعض العباد
ويشير الشاعر محمد بن ناصر بن صقر السياري - رحمه الله- إلى ما يجب أن تؤسس عليه الشخصية من حُسن الخلق والتأني، وإن أوتي الشخص الشجاعة والإقدام لأن الحكمة هي سيدة الموقف في كثير من محطات الحياة بمنطق الأسباب ونتائجها:
مبنى على الغرمول ينهد ساسه
ويثبت إلى عزّيت مبنى على ساس
واجب على الرجَّال يلبس مقاسه
ويصير بعيون الرجاجيل نبراس
ويحسِّن أخلاقه بليا شراسه
لو هو شجاع ويلبس الدرع والطاس
يرفع مجاله عن دروب الدناسه
ونفسه يدرّبها على قوة الباس
ومنها قوله:
ويأخذ تجاريب الليالي دراسه
ويميزّ الياقوت عن لمعة الماس
لو ذاق في بعض الليالي تعاسه
يصبر ولو صارنّ أشافيه يبّاس