حينما تحدث خادم الحرمين للعلماء عن الكسل والصمت؛ لم يقل بتعميم كسل وصمت المشايخ؛ بل قال *فيكم كسل وصمت* ومن يدقق في كلامه -حفظه الله-؛ سيفرق بين كلمته؛ وبين لو قال كلكم كسل وصمت.
أيضا قال عن ما ليس بواجب على العلماء؛ وبهذا رسم ما هو من اختصاص العلماء؛ وهذا ما يشهد به العلماء سابقا وفي الحاضر؛ أقصد اختصاص العلماء؛ ولذا كلمته -حفظه الله- ذكرى؛ والذكرى تنفع المؤمنين.
لا أعتقد أن الخطاب نسف كل جهود العلماء وحراكهم؛ ففيكم كسل وصمت تختلف عن قوله كلكم كسل وصمت.
ومن يتابع مقالات عدد من كتاب الصحف سيجدهم قد أشادوا بدور العلماء في محاربة الإرهاب والتكفير؛ وإشادة المنصفين هي حقيقة -فيكم كسل وصمت- لأنها فعلا تختلف عن كلكم كسل وصمت.
عبر خادم الحرمين عن المزيد والحاجة؛ وإن لم يقل ذلك نصا؛ واختلاف مظاهر الإرهاب اليوم عن ماضيه؛ سبب شعور الملك بخطورة المواقف؛ رغم انحسار الإرهاب داخل الوطن.
شعور الملك بجميع المسلمين والبشرية كافة؛ وما يحصل في إرهابهم وقتلهم؛ ومع علمه عن انحسار الإرهاب داخليا؛ جعل ما أصاب المسلمين عامة في عقل وقلب خادم الحرمين؛ ومساويا لما أصابنا داخليا بسبب الإرهاب؛ وربما أشد؛ لأنه سيحرق كل ما بناه المسلمون والعرب؛ ولأنه لن يستثني أحدا.
لم يقصر رؤيته محليا؛ ولم يشعرنا بأنانية ولا بالانغلاق على الذات؛ بمجرد نجاح الوطن في محاربة الإرهاب داخليا؛ وفشل البقية.
وهذه شيم وقيم عرفناها عنه -حفظه الله-؛ ومن لا يتابع لن يدرك ما أقوله هنا.
لم يقل أنا وما بعدي الطوفان؛ كما يقول البعض؛ بل العالم الإسلامي والعربي والعالم أجمع يهم الملك شأنه؛ ويعز عليه استقراره؛ فلم يرض بأي شكل من أشكال الإرهاب؛ أو بما يؤدي لتفشي الإرهاب؛ حينما يدعم بعض المسلمين وغير المسلمين إرادة من لا يرقب فينا رحمة.
توافق كل الملل وكل الشعوب وكل المبادئ على تجريم الإرهاب؛ جعل التعبير عن ذلك خيار دبلوماسي؛ وخيار يجبر الجميع على قبول السعي للأمن والأمان؛ عكس ما يتصوره البعض من ظن السوء في اتهام الإسلام والمسلمين فقط؛ وتحديدا من قبل السعودية وولاة أمرها.
كل القصد هو التوافق والاتفاق والاندماج والتعاون على سلامة الأبرياء؛ وليس غير ذلك من قصد.
جعلها صراحة ووضوح؛ وكما ربط الجأش في مواقف سابقة؛ لم يفت على خادم الحرمين؛ التأكيد على الصغير والكبير والعلماء وغيرهم؛ لمحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله وبأي مكان كان. ركز بعض كتاب الصحف على الكسل والصمت؛ وشرقوا وغربوا حول ذلك وضخموه.
في نفس الكلمة المختصرة؛ ركز الملك على أهمية الدين؛ وكرر كلمة الدين ثلاث مرات؛ ثم ختم بأن ربكم فوق كل شيء.
الدين الأهم؛ والرب فوق كل شيء؛ حتى خادم الحرمين؛ لن يكون اعتباره فوق الدين أو قبل الرب جل وعلا؛ في منطوق ومفهوم كلمته المختصرة؛ الشفوية والمكتوبة؛ التي يعلنها مجلس الوزراء وكل الأمراء مرارا.
هذه الكلمة العفوية والصراحة والشفافية مع المشايخ؛ والتأكيد على الدين وفوقية رب العالمين؛ تؤكد على ما قامت عليه هذه البلاد؛ وعلى عهد الملك تجاه الدين.
عبر الملك عن إرادته نحو الدين؛ وتعظيمه لله جل وعلا؛ في كلمات موجزة؛ فتجاهل كثير من الكتاب الدين؛ وركزوا على الكسل والصمت؛ للمز العلماء.
ليس هذا بغريب من خادم الحرمين الشريفين؛ وبذلك يجب حصر عمل العلماء فيما يؤكده الملك مرارا؛ وهو حفظ هذا الدين؛ ومسايرة تدبير الحياة وفق عمق الإسلام في بلاد التوحيد.
دينكم؛ دينكم؛ دينكم؛ وربكم فوق كل شيء؛ ومع السلامة؛ بهذه ختم الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمته الشهيرة؛ وأيضا حث على الدنيا وذكرها مرة؛ ليوازن بين الدنيا والدين؛ فركز البعض على نصف الكلمة؛ وفيما يبدو شرق البعض بالكلمات الأخيرة.
ديننا سلطان لا يقهر؛ لا بقوته ولا بلينه ولا بمواكبته للعصور؛ ولأهميته كرر الملك ذكره ثلاث مرات -دينكم-؛ وللدين سيكون النطق وقول الحق؛ والنهوض والتحليق والهمة وطرد الكسل والصمت؛ مع عدم نسيان نصيب الدنيا؛ للتعبير بين الأصالة والمعاصرة؛ وازدهار الدارين؛ هذا فحوى كلمة خادم الحرمين الشريفين.
لن يخرج العلماء بطرد الكسل والخروج من الصمت؛ لإرادة بشرية أو لتحقيق غاية حزبية؛ أو لهدف وضعي؛ أو لأهداف فكرية أو لدين غير الإسلام؛ أو لعزل الدين؛ بل سيخرج العلماء من بعض الكسل وبعض الصمت لدينهم؛ لدينهم لدينهم؛ الذي كرره خادم الحرمين الشريفين؛ وهذا هو المنتظر؛ لكيلا يختطف الإسلام؛ وقبل استخدام الإسلام كدين في قتل الأبرياء أو الخوض في معارك باسم الدين؛ والدين منها براء.
ومن يمارس مشروعا عدوانيا باسم الدين أو تنظيم ما؛ أو بتخطيط مستقبلي لنزع حقنا في وطننا؛ متخفيا أو مبارزا؛ ونحن ندين بالإسلام؛ مع التخلي عن الأساليب الصحيحة -دينكم؛ دينكم- دينكم- فلا مكان له.
لاختلاف المجتمعات لن يستخدم الدين ضد أهله؛ بل وفق رؤية شرعية متكاملة وصحيحة وهنا يبرز دور العلماء.
لم يكن الخطاب في الكلمة الموجزة للعلماء فقط؛ وغاب ذلك؛ بسبب من ركز على نصف الكلمة؛ وبسبب من فسرها كما يريد في دائرته وانغلاقه الفكري والحزبي؛ فنحن لحمة واحدة؛ لن نتخل عن ديننا؛ ولن ننس دنيانا؛ ليحاربنا البعض بديننا.
هناك من يحاسب العلماء ويرميهم بالافتئات على الربوبية؛ وبكونهم علماء سلطان وما شابه ذلك؛ لمجرد اختلافه مع العلماء في فتاوى محددة؛ وفي تكرار توصية خادم الحرمين بالدين ثلاثا وذكر الدنيا مرة؛ يصبح العلماء في حل من اتهامهم في تمرير أحكام لا توافق الدين؛ حينما يكون رأي الدين قطعي أو مصلحي؛ وما شابه ذلك.
هنا فقط يجب التذكير في هيمنة الدين وسلطانه على الجميع؛ صغارا وكبارا؛ علماء وطلاب العلم؛ والمتلقي ومن له ولاية على المحكومين من أمراء ووزراء ونحوهم؛ وكفى بذلك عزا.