مليارات الريالات سنوياً ينفقها السعوديون كمستهلكين تتجه إليهم الإعلانات التلفزيونية، وتجيء القنوات الفضائية باعتبارها أحد أهم المستفيدين من هذه المليارات التي يذهب جزءٌ كبيٌر منها لمحطات خليجية وعربية، لكن في المقابل ما العائد الذي حققته السعودية من هذه المليارات التي تضخها سنوياً في السوق الإعلانية؟
ببساطة لم تستفد السعودية الكثير، خصوصاً شركات الإنتاج التلفزيونية التي لا تجد سنداً حقيقياً لها وسط المنافسة الشديدة عربياً وخليجياً سوى هيئة الإذاعة والتلفزيون التي تتبنى في كل عام مجموعة من الأعمال الدرامية والبرامج التلفزيونية التي تسمح ببقاء شركات الإنتاج السعودية على قيد الحياة دون أن تجد الفرصة للدخول في منافسة حقيقية ومستمرة مع باقي الأعمال الدرامية.
mbc.. وحساباتها الخاصة
محطة مثل mbc التي كان يعوّل عليها كثيراً في المساهمة بدورها في دعم شركات الإنتاج السعودية يبدو أن لها حساباتها الخاصة بعيداً عن هموم الوسط الفني والإنتاجي في السعودية، ورغم أنها تعتمد بشكل كبير على المعلن السعودي فليس هناك مقارنة بين ما تحققه من عائد مادي من السوق الإعلانية السعودية وبين مساهمتها في دعم شركات الإنتاج والفنان السعودي.. ولم يبرز على سبيل المثال هذه السنة في الموسم الرمضاني سوى مسلسل «واي فاي» الذي شارك فيه عددٌ من النجوم السعوديين، وقد جاء هذه السنة أقل من الطموح بعكس ما كان عليه في الجزأين الأول والثاني، فبينما حقق في العامين الماضيين مع مسلسل «كلام الناس» أفضل نسب مشاهدة وقدم صورة مبهرة، جاء هذه السنة متواضعاً من خلال ما قدمه من فقرات لم تكن بمستوى المأمول من قناة كبيرة وعريقة مثل mbc.
الدراما السعودية في مواجهة التحديات.. مسلسل «كلام الناس» نموذجاً
بالرغم من الظروف الصعبة التي تواجه شركات الإنتاج السعودية نجد أن بعض الأعمال التلفزيونية تشق طريقها بقوة بين نظيراتها العربية والخليجية، وفي هذا السياق نذكر مسلسل «كلام الناس» الذي أنتجته القناة السعودية الأولى في هذا الموسم الرمضاني، والموسمين الماضيين وهو من بطولة الفنان حسن عسيري، حيث أثبت هذا المسلسل، من خلال ما قدمه من حلقات متميزة حسب، أن الوسط الفني السعودي قادر على تقديم أعمال إبداعية تتجاوز الإمكانات المتاحة للقائمين على هكذا عمل، فإنتاج مسلسل كوميدي أو تراجيدي مميز ليس مرتبطاً فقط بما يتم توفيره من تمويل لهذا المسلسل، وإنما بالتدفق الإنتاجي الذي يسمح ببروز هكذا أعمال، وهو ما لا تستطيع قناة واحدة مهما كانت إمكاناتها من توفيره، وهذا ما يقودنا للحديث عن باقي المحطات، وبشكل خاص الخليجية منها والتي تستفيد من السوق الإعلانية السعودية لكنها في الوقت نفسه لا تكترث للفنان السعودي ولا لشركات الإنتاج السعودية التي تواجه صعوبات كبيرة من أجل تكريس حالة فنية تسمح ببروز أعمال سعودية قادرة على المنافسة، وبالتالي رفع أسهم الإعلان التجاري الذي يتم بثه من خلال هذه الأعمال الفنية، فهي مصلحة مشتركة بين المحطات الفضائية وشركات الإنتاج السعودية، لكن حتى هذه اللحظة لم يصل الطرفان إلى علاقة إستراتيجية، أو حتى صيغة اتفاق يستطيع كل منهما دعم الآخر من خلاله.
السعودية الأولى وروتانا.. هل يسحبان البساط من تحت أقدام mbc؟
بينما تراجع دور وحضور قناة كبيرة ومهمة مثل قناة mbc على مستوى دعم الأعمال الدرامية السعودية نجد أن محطة مثل روتانا بدأت تتجه نحو ملء الفراغ الذي تركته mbc، فالزخم الإنتاجي الذي اتجهت إليه قناة mbc في مرحلة سابقة، وساهم بحراك فني كبير في السعودية انقطع فجأة وبدون مقدمات، ما شكَّل خيبة أمل كبيرة للجميع، وأوجد فراغاً كبيراً تسعى قنوات أخرى إلى ملئه، وبشكل خاص قناة روتانا التي أنتجت في هذا الموسم الرمضاني العديد من البرامج السعودية، وأنتجت كذلك مسلسلين سعوديين هما: «خميس بن جمعة» و»سواق وشغالة»، بما يشير إلى أن هذه القناة الكبيرة تؤسس لعلاقة إستراتيجية مع شركات الإنتاج السعودية، وكذلك المعلن السعودي على حد سواء، وهذا ما سيكون له أكبر الأثر في المستقبل على دعم الفن السعودي وتقدمه، لتشكّل مع التلفزيون السعودي جبهة قوية ستكون قادرة في المستقبل على سحب البساط من تحت أقدام المحطات التي تعاملت مع المجتمع السعودي كسوق استهلاكية وتجردت من أية مسؤولية اجتماعية اتجاهه.. أي أنها بكل بساطة تنكرت له.