التنمر ليس صفة سلوكية يختص بها طلاب المدارس كان يتحول أحد الطلاب إلى نمر يضطهد زملاءه ويمارس (شقاوته) على محيطه الطلابي، هناك تنمر أقسى وأعنف وقد يكون أشرس، يمارسه المسؤول على إدارته، وفي بعض أجهزة الدولة -قطاع الخدمات- تحول بعض وكلاء الوزارة ومديري الإدارات المالية والإدارية إلى نمور ذات مخالب حادة وطويلة، استخدموها ضد الموظفين واللوائح التي لا (تروق) لهم.
في الفترة الأخيرة شهد القطاع الإداري والفني في الوزارات تغيرات عدة غادر وزراء ودخل الأجهزة وزراء جدد لكن الصف الثاني والمحرك للعمل والممسك بمفاصل الوزارة من نواب ووكلاء ممن خبروا الوزارة لسنوات طويلة مازالوا في مواقعهم، امتصوا صدمة رحيل الوزير السابق حتى عرفوا غاية الوزير الجديد ثم تحولوا إلى نمور أكثر شراسة على الموظفين ونظام العمل استمروا بالأخطاء القديمة التي من أجلها غادر الوزير، وزاد تعسفهم وفرضوا إيقاعهم وأدائهم بل أعادوا الوزارات إلى الوراء مع غموض في القرارات المالية والمشروعات وتوزيع المناصب وظلم شريحة من الموظفين مما يسمونهم أصحاب الوظائف الجامدة.
فقد نشأت شريحة من المهمشين رغم تأهيلهم الأكاديمي والمهني وخبراتهم الإدارية والهندسية بقوا في الظل وممرات الوزارة الخلفية وفي غرف منزوية وبقي بالصدارة أسماء وشخصيات مزيفة وغير صادقة في تعاملاتها المالية والإدارية.
بقاء النواب المعمرين الذين ثبت فشلهم وعدم جدارتهم وبقاء وكلاء الوزارة رغم تغير الوزير لأكثر من مرة هو خطأ إداري لأن رحيل الوزير لأي ظرف وبقاء النواب القدامى والوكلاء في مواقعهم فإن هذا شكل من أشكال الأخطاء الإدارية لأن الجميع يعلم أن هؤلاء بأيديهم مفاصل ومفاتيح و(مغالق) القطاع لذا لا يمكن أن يحدث تغيرات إيجابية في ظل قيادات الظل التي تحرك قطاعاتنا بالفكر والثقافة الإدارية الإقصائية والمزاجية والرتيبة.
الفساد لا يعني ما يكتشف من سرقات وتجاوزات مالية، الفساد أن تعمل قيادات معنية على تدمير الموارد البشرية وتبديد ثروة بلادنا البشرية بإدارات غارقة بمصالحها ومكاسبها.
الفساد أن يتحول المسؤول إلى (نمر) يسعى إلى إيذاء الموظفين ووأد المشروعات وإقصاء المؤهلين وقصر وحصر الامتيازات والفرص على أقرباء القرية وزملاء الدراسة والأقارب والمعارف، هذا المسؤول (المتنمر) هو من ينهش في جسد التطور الوظيفي والنماء الطبيعي للموارد البشرية وتقدم بلادنا وعافيتها من وهن الأمراض الإدارية. ففي قطاعاتنا نمور (طلقاء) بلا قيود دون أن ترصدهم وزارة الخدمة المدنية المسؤولة عن حماية الموظف والوظيفية، ولا أن ترصدهم أجهزة الرقابة العامة، والخاسر الحقيقي في حالة التنمر البغيضة هو المواطن الموظف والمشروعات الخدمية وخزينة الدولة التي تستنزفها شللية الوظائف الكبرى.