رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والقيادة السعودية في محاربة الإرهاب بالوسائل التنفيذية والاستباقية، يعتبرها اللبنانيون منهاجاً يجب أن تسير عليه الدول العربية، لمكافحة هذا الخطر الداهم على المسلمين وعلى المسيحيين في المنطقة على السواء.
ويلفت مسؤولون التقتهم «الجزيرة» إلى دور الملك عبد الله في تثبيت فكرة الإسلام الوسطي، وفي إعطاء العالم أجمع المثال الصادق عن الإسلام الحقيقي والمعاني الإسلامية في السماح والرحمة والاعتدال والانفتاح، ومحاربة كل أشكال التطرف التي تبعد الإسلام عن جوهره وعن قيمه. كما لفت المسؤولون إلى الدعم السعودي للبنان، خصوصاً مؤخراً المكرمة الملكية بقيمة مليار دولار للجيش اللبناني والقوى الأمنية لمحاربة الإرهاب.
الجزيرة التقت أربعة مسؤولين لبنانيين سألتهم عن هذا الموضوع، فكانت هذه الردود.
القاضي الدكتور خالد قباني، وزير عدل ووزير للتربية والتعليم العالي سابقاً، قال لجريدة «الجزيرة»: «لطالما كانت المملكة العربية السعودية رمزاً للاعتدال في مقاربة القضايا الإسلامية والقضايا الإنسانية، انطلاقاً من فهم عميق وبعيد الجذور للإسلام ودوره في الحضارة الإنسانية، لأن الإسلام جاء للعالمين ولتأصيل مفاهيم الحق والعدالة والمساواة والتسامح والانفتاح والاعتدال. لذلك عُرف الإسلام بأنه دين الرحمة ودين الاعتدال والعدالة.وجاءت آياتُ القرآن الكريم لتؤكد على هذا المنهج الإسلامي في الحياة وفي التعامل مع الآخرين. وقالت الآية الكريمة :{جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (143) سورة البقرة. والوسطية تعني الاعتدال ونبذ العنف ونبذ التطرف والبعد عن الغلو والمغالاة. لذلك رأينا أن الإسلام انتشر في كل أقطار العالم من خلال ما اتسم به المسلمون من أخلاق عالية في الصدق والأمانة وحسن التعامل مع الآخرين فكان المسلمون رسلاً للخير في كل مكان وصلت إليه الرسالة الإسلامية التي انطلقت من مهد الإسلام في الجزيرة العربية.
ولقد برهنت الحكومة السعودية الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على هذه المعاني، وكانت في كل أعمالها وعلاقاتها مع الدول ومع المجتمعات المختلفة والأفراد مثالاً لهذه المفاهيم والمعاني الإسلامية في السماح والرحمة والاعتدال والانفتاح والصدق والأمانة ومحاربة كل أشكال التطرف التي تبعد الإسلام عن جوهره وعن قيمه وعن الأسس التي قام عليها والمبادئ التي أرساها.
والتوجيه القرآني واضح في هذا الشأن عندما توجه إلى المسلمين :»كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر». فهذا الكلام الموجه للمؤمنين، لم يأت لمجرد الوصف أو الافتخار، ولكن لكونهم يحملون قيم الأخلاق الرفيعة ويتعاملون مع الناس على أساس المودة والمحبة والأمانة والاعتدال والرحمة.
هذه المفاهيم والقيم حملها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عقله وقلبه ووجدانه، وتمثلت مشعة منيرة في حياته ومسلكه وقراراته وأعماله. وكانت من آيات أعماله التي عُرف فيها في قيادته للمملكة. كما حملها معه إلى كل مكان في المحافل الدولية والمنتديات العالمية والأمم المتحدة، وفي العلاقات التي أنشأها مع الدول المختلفة فحظي بثقة العالم وباحترام القادة العالميين وبتقدير من المجتمعات السياسية والمنظمات الدولية وكل المؤسسسات التي تعمل من أجل الإنسان في كل مكان في هذا العالم. وكانت لخادم الحرمين الشريفين مبادرات على هذا الصعيد لا حصر لها. ومنها ما اقترحه بإنشاء مؤسسة للحوار الإسلامي - المسيحي على الصعيد العالمي وفتح باب النقاش الهادئ الرصين من أجل تأصيل وتعزيز مفاهيم الحق والمساواة والعدالة والرحمة والتسامح والاعتدال وقبول الآخر. كما كانت له مبادرات ووقفة قوة واعتزاز ضد كل محاولات العنف والإرهاب أو الغلو التي من شأنها أن تعتدي على الإنسان وكرامة الإنسان والحرمات وحياة الناس وأرزاقهم وممتلكاتهم. ونحن كلبنانيين ربما أكثر من غيرنا نعلم حق العلم ونقدر كل التقدير ما لهذا الرجل الكبير والكريم من مكرمات على صعيد دعم لبنان بكل أشكال الدعم المادية والمعنوية والسياسية لحماية لبنان وأهله، من كل اعتداء يمس بسيادته واستقلاله من أي جهة أتى. وليس آخر هذه المكرمات ذلك الدعم الكبير الذي قدمه للبنان بأربعة مليارات دولار (ثلاثة مليارات ثم مليار) لوقوف الجيش اللبناني ضد الإرهاب وضد كل محاولات التعرض لأمن لبنان وسيادته وعيشه المشترك. هذا هو المنهج، وتلك هي المسيرة، مسيرة الخير التي اعتمدتها المملكة في سياساتها العامة وفي تعاملها وعلاقاتها مع الدول ومع الناس. وهي التي فتحت أبوابها واسعة أمام الناس ودون تمييز للعمل والمساهمة في مسيرة التنمية الكبرى التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين في بلاده. إنه منهج الحق ومنهج العدالة والرحمة التي أرسى مبادئها ومفاهيمها وأسسها الدين الإسلامي الحنيف، الذي تمسكت المملكة بأصوله وجوهره من أجل إرساء حياة عزيزة كريمة آمنة لمواطنيها وأهلها ولكل إنسان في هذا العالم».
من جهته، قال منسق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار الدكتور فارس سعيد لـ»الجزيرة»: «أنا فارس سعيد ماروني لبناني عربي، يؤسفني أن تقوم مجموعات متهورة و مدفوعة بتشويه صورة دين متسامح مع نفسه ومع الآخرين، ويشهد على ذلك 1400سنة من العيش المشترك الذي أعطى لهذه البقعة من العالم نكهة مميزة وأسلوب عيش فريد.
وأنا متابع سياسي ألامسُ الاحتراف السياسي بعيداً عن كل ادعاء، تدهشني المملكة العربية السعودية بحيويتها: من آفاق اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان في العام 1989، مروراً بالمبادرة العربية للسلام التي أطلقها خادم الحرمين من بيروت بالذات عام 2002، والمصالحة الفلسطينية التي لطالما عمل عليها بجد وجهد خادم الحرمين الشريفين، واليوم مكافحة الارهاب.
وأنا مواطن أطالب الدولة بحماية الناس وأقدّر عالياً ما قام به خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزبز في دعم الجيش اللبناني. ومن خلال إصراره على دعم الجيش، يُصرّ جلالته على وضع الشرعيات العربية المتمثلة بالمؤسسات في مواجهة الارهاب.
اطال الله بعمر خادم الحرمين الشريفين وحكمته».
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المحامي محمد المراد قال للـ»جزيرة»: «إن آفة الإرهاب في العالم قامت على أساس محاربة الدين والأخلاق والقيم، وإنها تهدف إلى الإساءة أولاً للدين الإسلامي الحنيف ولتاريخه وحاضره. ولا شك أن العالم العربي والإسلامي بات يشعر بقوة بهذا الخطر الذي يهدد بنيان الدين الإسلامي. ولقد رأى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز هذا الأمر، منذ مدة غير قصيرة. ولهذا كانت أولى اهتماماته، تشخيص هذا الخطر الداهم بداية، لينتقل فيما بعد الى وضع الاستراتيجيات للقضاء عليه أو على الأقل للحد من انتشاره. والكل يعرف كم هي الجهود التي بذلت من قبل المملكة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين من أجل معالجة هذه الآفة، وذلك عبر وسائل متعددة ومتنوعة. وومعروفة تلك الخطوات الجبارة التي قامت بها المملكة سواء عبر المستوى الثقافي والتربوي والتوجيهي والفهم الصحيح والدقيق لمقاصد الإسلام فضلاً عن الإسهامات المادية والمعنوية في هذا الاتجاه وعلى سبيل المثال تلك الخطوة التي آخرها ظهر في مساهمة المملكة في مكافحة الإرهاب مع مؤسسة مجلس الأمن، إضافة الى العين الساهرة والرؤوفة للمملكة للعالم العربي خصوصاً لبنان. هذا، ولم تقم أية دولة في العالم العربي أو من الخارج بالتشخيص الحقيقي للواقع اللبناني تجاه خطر الإرهاب، نتيجة تلك الإفرزات الشاذة المحيطة بلبنان ومحاولة الاتيان بها الى داخله.
وقد وجد خادم الحرمين الشريفين أن أبواب الخطر بدأت تدق لبنان، فكان قراره التاريخي بوضع الحجر الأساس والزاوية لمكافحة هذا الإرهاب الذي كان قد بدأ يطل برأسه على لبنان. تلك المبادرة تفاجأ بها الكل، وتمثلت بدعم مادي كبير بقيمة مليار دولار لمساعدة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لتحديث وتطوير مكافحة الإرهاب، وذلك بحرص من قبل الرئيس سعد الحريري للعمل على معالجة هذه المسألة معالجة جوهرية وواقعية. ولإن كنا نرى البعض في لبنان، يفقد موضوعية الرأي لأنه ما كان يتمنى أن تحصل المبادرة، لأن لا مصلحة سياسية له فيها.
وخلاصة القول إن السياسة الرشيدة والحكيمة والهادفة للمملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب تنطلق أولاً وأخيراً من حرصها الأكيد على المسلمين والمسيحيين في العالم العربي. كما تنطلق من وعي للمستقبل وإدراكٍ له، ولفهم حقيقة الإسلام وحقيقة معانيه ومقاصده.
رئيس الجامعة اللبنانية الفرنسية في لبنان الدكتور محمد سلهب أشار في حديثه لجريدة «الجزيرة» إلى أن «خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز كان أول من حذّر من خطر الارهاب وتمدّده في المنطقة. ولعلّ البعض يذكر جيداً أن الدوائر الرسمية والشرعية في المملكة العربية السعودية الشقيقة أصدرت الفتاوى الضرورية بتحريم قتال السعوديين في الخارج والطلب منهم العودة فوراً الى وطنهم درءً للفتنة ومنعاً للاقتتال وسفك الدماء بين المسلمين».
ورأى سلهب «بأن ما يحصل اليوم في منطقتنا من تمدّد للفكر التكفيري المتحجّر عبر أدواته في العراق وسوريا يشير الى صوابية وبعد النظر الذي يتمتّع به خادم الحرمين الشريفين، ويضع الأمتين العربية والاسلامية والعالم أجمع في تحدّ حقيقي لمواجهة خطر التطرف».
من هنا، يؤكد سلهب «بأن حصول خادم الحرمين الشريفين مؤخراً على الدكتوراه الفخرية العالمية من قبل جامعة الأزهر الشريف للعمل الجبّار الذي يقوم به تكريساً لفكر ونهج الاعتدال وتعميمه في مختلف أرجاء بقاع الأرض أمرٌ طبيعيّ وجاء في محلّه وتحديداً في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها أمتنا، وهو خير ردٍ على محاولات البعض التشكيك بنوايا المملكة ورمي الاتهامات جزافاً بدعمها الحركات الأصولية والتكفيرية».
وختم الدكتور سلهب: « بارك الله جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ، في كل ما يقوم به على صعيد الخير للمملكة والعالم العربي والإسلامي، خصوصاً في تصديه للإرهاب الذي يضرب بلادنا. وأدامه ذخراً للأمة والانسانية جمعاء، وحمى الله العليّ القدير المملكة وشعبها الشقيق وجميع الأقطار العربية والاسلامية من كل شرّ».