منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وما تبع ذلك من تفكيك للمنظومة العسكرية والأمنية لذلك البلد العربي، والمنطقة تشهد مخاضات عسيرة لا تتوقف وتهدد بمزيد من التفكيك لكيانات المنطقة بحسب «الفوضى الخلاقة» التي وعدتنا بها الإدارة الأمريكية.
لقد أصبح واضحا حتى الآن أن الدول الكبرى لا تهمها سوى مصالحها وليست معنية بمصالح الدول والشعوب العربية والإسلامية من قريب أو بعيد، بل هي مستعدة دائما لخلق اعداء وهميين او حقيقيين لابقاء المنطقة في حالة قلق وعدم استقرار ولابتزاز الحكومات العربية لتمويل المخططات الغربية.
كلنا يذكر أن الرئيس السابق جورج بوش قال «اننا ذاهبون إلى الخليج لتصحيح خطأ الرب»، وكان يعني بذلك نفط العرب الذي يسيل له لعاب الدول الغربية، كما وصف الغزو الأمريكي للعراق وافغانستان بالحملة الصليبية، وهي العبارة التي اثارت الكثير من الجدل واعادت إلى الاذهان ذكريات الحروب الصليبية التي جاءت إلينا من اوروبا واستعمرت فلسطين وبلاد الشام لأكثر من ثمانين عاما.
هل يعيد التاريخ نفسه وإن تحت مسميات وذرائع مختلفة وبلاعبين جدد وبعمليات مشبوهة سوف تنكشف في يوم ما لنعرف كيف ان دوائر صنع القرار الغربية مخادعة وخبيثة ولا يهمها حجم الكوارث المادية والاقتصادية والبشرية التي تلحق بنا ما دامت تخدم المخططات الاستعمارية ولو بأدوات محلية، ولنا ان ننظر إلى لعبة ما سمي بالربيع العربي ولورنس العرب وكوهين دمشق ووعد بلفور وسايكس بيكو والأحزاب التي رفعت شعارات واحدة ثم عملت في جسد الامة تقتيلا وتفكيكا لندرك ذلك.
كلنا يعرف تاريخ التنافس الاستعماري على نفط المنطقة وممراتها الاستراتيجية ثم تفكيك منطقة الخليج وانسحاب القوات البريطانية ثم خلق ما سمي بالفراغ في المنطقة واطلاق بعبع شاه إيران لاحتلال جزر عربية في الخليج واطلاق حمى التسلح في المنطقة ثم الاطاحة بالشاه بعد ان انتهت صلاحيته واغراء صدام حسين على حرب إيران الخميني ما أدى إلى تدمير القدرات العسكرية والاقتصادية والحاق خسائر بشرية فادحة في الحرب الدامية التي استمرت ثماني سنوات.
الآن تعود العجلة للدوران من جديد. لقد جاء حكم الملالي في قم ورفع شعارات تدغدغ المشاعر ثم بدأ مشاريع التسليح والمشروع النووي وشعارات تدمير اسرائيل ودعم حزب الله ثم التدخل الطائفي البغيض في العراق واليمن ولبنان وسوريا.
وكان الأحرى بحكومة طهران أن تلتفت لمعاناة الشعب الإيراني الفقير بدلا من صرف بلايين الدولارات على مشاريع وهمية مثل مشاريع معمر القذافي النووية ومشاريع نظام الأسد في الأسلحة الكيماوية التي سلمت للغرب على طبق من ذهب ثمنا لبقاء النظامين في الحكم.
منذ نحو اربع سنوات ونظام الاسد يعيث في الارض فسادا، هذا حتى لا نذكر فظاعات الصهيونية ربيبة الغرب والولايات المتحدة ضد شعب فلسطين وذبحه واحتلال أرضه وتدمير مقدراته وتدنيس مقدساته.
يوم انطلقت الثورة السورية كنا نأمل ان يساعدها الغرب المنافق للاطاحة بهذا النظام البغيض الذي اوجع رؤوسنا لعقود بشعارات محاربة إسرائيل واسترداد الحقوق العربية المغتصبة التي كان شريكا في ضياعها. كنا نامل ذلك لكن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة خذل هذه الثورة وتآمر عليها وجفف مصادرها وعمل على شرذمتها بل وتآمر مع نظام الأسد لخلق تنظيم داعش الذي نفذ عمليات ذبح وتهجير باسم الإسلام والإسلام منها براء.
كان بامكان الإدارة الأمريكية وهي تمسك بزمام الامور في العراق ان تفرض على المالكي ان يراعي مصالح جميع مكونات الشعب العراقي بدلا من السماح بتعشيش المليشيات الطائفية والانتهازية وعصابات السرقة والنهب المدعومة من طهران. لكنها لم تفعل ذلك، إلى ان «اكتشفت» فجاة، وبعد ثماني سنوات، ان الرجل قد فشل في جلب الديمقراطية الموعودة لشعب العراق المضلل من اصحاب العمائم. لقد تخلت عنه واشنطن بعد ان انتهت صلاحيته، كما تخلت عن الشاه من قبل وقضت على صدام حسين لمحاولته التمرد عليها وتخلت عن القذافي لتترك ذلك البلد العربي الغني بالنفط فريسة لصراعات القوى المتنافسة ذات الارتباطات الخارجية. هذه هي القاعدة الذهبية في السياسة: ليس هناك عداوات أو صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة.
في خضم كل هذا يبدو أن صلاحية نظام بشار الاسد لم تنته بعد، لكن الواضح أن صلاحية تنظيم داعش قاربت على الانتهاء لأنه اقترف خطيئة التعرض للمسيحيين واليزيديين كما هو مخطط له، بل، وهذا هو المهم، خطيئة تهديد المصالح الغربية في النفط العراقي.
انظر إلى كل هذا النفاق الغربي وسياسات الكيل بمكيالين، ثم يتباكون على حقوق الشعوب!
والأنكى من ذلك ان الولايات المتحدة والغرب بدأت تطالب بتقديم مساعدات مالية إلى العراق. بالطبع، لن يفتح الغرب خزائنه ليدفع المساعدات لبلد سوف ينتج آخر برميل نفط في العالم.