سأروي قصة رويت عن المطرب الأمريكي راي تشارلز. فقد أصيب في طفولته بالجلوكوما (الماء الأزرق) في عينيه؛ ففَقَد بصره, فكانت أمه دليله البصري منذ أن قالت له فقدت بصرك، لكن اجعل أذنك كالرادار «أي يصغي بعمق لكل ما يدور حوله ليميز».
كبر راي، وتأثر أسلوبه كثيرًا بالموسيقى والترانيم الإنجيلية التي تعلمها في مدرسة المكفوفين، حتى أصبح علماً من أعلام موسيقى الجاز في الستينيات. في يوم ما جلس هو وخطيبته «مدمنة العمل» في مقهى، وقال لها: يوجد طير حول النافذة. فأوجمها تقريره؛ إذ إن ذلك الطير يبعد بمسافة أمتار عدة. قالت له: كيف لك أن تسمع كل شيء والمقهى مكتظ وصاخب بالزبائن؟ فما كان من راي إلا أن يلقي بعملة معدنية على الأرض حتى التفتت خطيبته للصوت، فقالت انتبه لمحفظتك. ثم أردف قائلاً: نحن نسمع ما نريد أن نسمعه فعلاً..!
يقول سنيكا الأصغر «كما كانت لغته واهتماماته كانت حياته».
هذه القصة ليست إلا إشارة بالسبابة إلى أن ما نهتم له يعبر عنا أكثر من تعبيرنا عن أنفسنا. إن الاهتمامات كالأجهزة الملاحية لمواطن الأخلاقيات مهما ادعى المتحدث الرسمي عن تلك المواقع؛ لذلك لا عجب عندما قال قائل «تعرفوهم من همومهم».
إن حقيقة الشخص لا تركن دائماً إلى ما يقوله، بل إلى ما يقف عنده كثيراً، ويستمر في الاستطراد والتشعب فيه؛ إذ إنك قد تجد أكثر الناس حباً للمال هم أكثرهم ثراءً ونجاحاً!!
ففي إحدى المقابلات سألوا البليونير دونالد ترامب عن سبب ثرائه فقال بنبرة هادئة: أكره الفقر!
وأحياناً تجد أن أكثر الحكومات خوفاً من الهجوم والغدر هي أكثرهم غدراً وتنكيلاً ببقية الأمم. ولم تتوارَ الأفلام عن هذا الشأن، فهي أثبتت لنا أن أول عدو لرجل العصابة هو العضو الآخر منها «فالأمان غايتهم»!
إن اهتماماتنا تعرينا كالطفل الثرثار عند مجيء ضيف ما. نحن نستطيع أن نغلف أنفسنا بالكلمات، لكن هذا الغلاف سريع العطب في حضرة رغباتنا وأحلامنا..
ولكن ما الضرر لو نعمل على ما يهمنا ما دام يحمل قسطاً من المنفعة!
يقول الشاعر أوليفر هولمز: ما يجعل الحياة تستحق أن نحياها بسعادة هو الإيمان بشيء والتحمس للشيء.
فبجانب وجوب الإيمان بالله وعبادته فإن العلم والمال والرياضة والفنون وكل بصمة في مجالات الحياة ستثري بلاد روادها طالما تم التوجه إليها بالطرق السليمة.
فألمانيا عندما خلعت رداء النازية أصبحت قادرة على التأنق في كل مجال!
إن حجم البلدان لا يقاس بمساحتها على الخارطة، بل بما يحدث في هذه المساحة، ويتم الاهتمام به.