جاء في سيرة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أنه (كان يبكي إذا سمع بأخبار الاضطهاد، والتعذيب التي تمر بالمسلمين في بعض البلاد).
لم أكن أظن أن يصل الحال ببعض الإخوة - هداهم الله للتي هي أقوم - لنصرة بعض المسلمين في اتخاذ صور قتلاهم وهم ممزقون قد ذهبت بعض أطرافهم, وفارقت رؤوسهم أجسادهم, طريقاً صحيحاً لنصرتهم, أو تحريكاً لمشاعر بقية المسلمين بنقل تلك الصور!
يا مسلمون - حرسكم الله بعنايته - إن للميت حرمة, لا يجوز انتهاكها, هل يرضى أحد أن يُصوَّر في حالة كحالة ذلك المقتول؟ وهل يحب أحدنا أن يصور وهو ميت وأمه تبكي عند رأسه؟ اللهم إنا نسألك العافية لنا ولإخواننا المسلمين.
لا أظن أن عاقلاً يرجو الله والدار الآخرة يصور مشهداً كذلك أو يساهم في نشره. ولا سيما أنه قد تشتمل بعض تلك الصور على انكشاف الأموات وظهور بعض عوراتهم أو ظهور نساء حول الميت في وضع يرثى له, مع أن النصوص جاءت بالتشديد على التصوير لذوات الأرواح ومنعه، وأفتى علماؤنا بحرمته، وهذا أمر مشهور عنهم, قال الشيخ العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله:(الصُّوَرُ سواءً كان لها جسمٌ، يَعني مُجسَّدةٌ أو غيرَ مُجسَّدةٍ، هي داخلةٌ في عمومِ الحديثِ، حتى ولو كانَ ما يُوجدُ على الوَرَقِ أو غيرهِ، وإن كان بعضُ الناسِ يقولُ: إنَّ هذا ظلٌ وحبسٌ للظلِّ فقط، وما كان حبساً للظلِّ فلا بأسَ به، إنما قالوا هذا لَمَّا كَـثُرَ الإمساس قلَّ الإحساس، وإلاَّ الأحاديث تشملُ ما له ظلٌ وما لا ظلَّ له، فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: « أنْ لا تدَعَ صُورةً إلاَّ طمستها « فلفظة: «طمستها» تدلُّ على أنه لو كانَ في وَرَقٍ أو على خرقةٍ أو ما أشبهَ ذلكَ، ولَمْ يقل: أن لا تدَعَ صُورةً إلاَّ كسرتها، أو أتلفتها، فالطمسُ إنما يكونُ في الشيءِ الذي يُمكنُ طَمْسُه، أمَّا الْمُجسَّمُ فلا يُمكنُ طمسه، لا بُدَّ من كسره وإزالته، فدلَّ على أن قوله: « إلاَّ طمستها « يعمُّ ما كانَ موجوداً في الوَرَقِ، أو في العِلَبِ، أو ما أشبهَ ذلكَ، وهذا هو قولُ جماهيرِ العلماءِ من أتباع الأئمةِ الأربعة، حكى الإمامُ النوويُّ في شرح مسلمٍ أقوالَ الأئمةِ الأربعةِ, كلهم يَنهونَ عن التصويرِ سواءً كان مُجسَّداً وهو أغلبُ، أو لَمْ يكن مُجسَّداً، بدليلِ هذا الحديثِ وغيره: « إلاَّ طمستها « فالطمسُ يكونُ في الشيءِ الذي لا جسمَ له، لأنه لو كان جسْمَاً لقالَ: إلاَّ كَسَرتها).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (الأصل في تصوير كل ما فيه روح من الإنسان وسائر الحيوانات أنه حرام، سواء كانت الصور مجسمة أم رسوما على ورقة أو قماش أو جدران ونحوها أم كانت صورا شمسية؛ لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عن ذلك وتوعد فاعله بالعذاب الأليم... ومن الأحاديث التي وردت في تحريمها وذلك على أنها من الكبائر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم» رواه البخاري ومسلم ، وحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون « رواه البخاري ومسلم).
ثم من الذي أباح تصوير الميت والاعتداء على حرمته بنشر صورته, ثم ترويع المسلمين بما يحصل لإخوانهم وإخافتهم بها؟
لقد اتخمت عقول أكثر الناس بتلك الصور واعتادت قلوبهم عليها فلم يكن لنشرها معنى إلا ارتكاب لمكروه, وانتهاك حرمة المسلم الميت. ومن التبلد لدى بعضهم أنهم يرون تلك الصور وهم يأكلون كأن الناظر منهم لم ير شيئاً!!
فيا أهل الإعلام والصحافة ويا أهل الإنترنت اتقوا الله في المسلمين أحياء وأمواتا ودعوا ما اشتبه أمره عليكم, وعليكم بطريق النجاة والسلامة.
وإليكم هاتان الفائدتان: الأولى: قال ابن قدامة رحمه الله: (يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة), وذكر النووي رحمه الله: (وأما غير الغاسل من المعين وغيره فيكره لهم النظر إلى ما سوى العورة إلا لضرورة... قال الشيخ أبو حامد: لأنه يستحب أن لا ينظر إلى بدن الحي فالميت أولى).
جاء في كشاف القناع ما نصه:(ويسن (ستره) أي الميت حالة الغسل (عن العيون) ؛ لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته أو تظهر عورته، وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذي يغسل فيه الميت مظلما . ذكره أحمد... (ويكره النظر إليه) أي الميت (لغير حاجة حتى الغاسل فلا ينظر إلا ما لا بد منه. قال ابن عقيل لأن جميعه صار عورة) إكراما له، (فلهذا شرع ستر جميعه) أي بالتكفين).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في قوله تعالى: كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ أي: بدنه، لأن بدن الميت يكون عورة).
الفائدة الثانية: سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد؟
ج: لا يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد سواء كان رجلا أو امرأة، وإنما الواجب ستره بالكفن إلا أن يكون محرما فإنه لا يغطى رأسه ولا وجهه... لكن إذا كان الميت امرأة فإنه يخمر وجهها بكفنها ولو كانت محرمة ; لأنها عورة).
أسأل الله بقوته وجبروته أن يعز الإسلام ويصلح حال المسلمين وأن يسلط على المعتدين على المسلمين جنداً من جنده, وأن يجعل اليهود والنصارى والبوذيين المعتدين الظالمين عبرة للمعتبرين, وأن يهدي ضال المسلمين, ويولي عليهم خيارهم, هو حسبنا ونعم الوكيل.