غياب بعض الأمور حين يفقدها الإنسان قد لا تؤثر، خاصة حين تكون تلك الأمور مختصرة على جانب خاص بالشخص نفسه، لكن المشكلة حين يفقد بداخله حس الشعور بالآخرين مثل شعور الرحمة وشعور الأخلاق، فهنا يكون كم هائل من الانحطاط الخُلقي وانعدام الإنسانية، لقد مدح الله في مُحكم كتابه نبينا الكريم بأنه على خُلق عظيم، فقال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال العلامة ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في كتابه الوسيلة:(31) عن هذا الآية وبما أثنى سبحانه عليه في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) إذ ماذا يمكن للبشر أن يقولوا فيه بعد قول الله تبارك وتعالى هذا ؟ وما قيمة أي كلام يقولونه أمام شهادة الله تعالى هذه؟ وإن أعظم مدح له- صلى الله عليه وسلم- أن نقول فيه ما قال ربنا عز وجل: إنه عبد له ورسول فتلك أكبر تزكية له صلى الله عليه وسلم وليس فيها إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير.
دائما فقد أمر ما يؤثر على شخص، فكيف من فقد فن التعامل في الأخلاقيات، ديننا دين معاملة حسنة ونظرة راقية، ففن الرقي بالأخلاق فن لا يدركه إلا القليل، حين أقول قليل أي ما يطبقه بصدق قليل من الناس، القليل من يطبق والأغلب يطبقه لمصلحة أو ابتغاء شيء من الطرف الآخر، لابد أن يعلم الكثير أن الأخلاقيات في التعامل هي الرقي بمعلم من معالم الدين الحنيف، وأيضاً هي نبذة حسنة تظهر الشخص أمام الناس عن مدى ماهية صاحبها، وبعيداً عن أمور الدنيا نحن نريد تعاملا جيدا يخفف علينا من صراعات الحياة وقلوب رحيمة ذات خُلق نبيل، فأين الضرر حين تحسن الخُلق بل إن من يرى تعاملك الحسن يشعر بأن الحياة مازالت تحمل حياة أكثر جمالاً.
أحياناً من الضغوط الحياة نخلف قليلاً في تعاملنا لكن نستوعب فيما بعد، ثم نشعر بالندم ونشعر بشعور مؤلم، خاصة في تعاملنا مع بعض الأشخاص المُحب لنا، ليس خطأ أن نخلف ونحاسب أنفسنا، لكن الخطأ في عدم المبالاة وانعدام مستوى الذوق والتقدير، مسألة التعامل قد تكون صعبة في تنوع مستويات الناس لديك، فتعامل الصديق يختلف كثيراً عن تعامل مديرك بالعمل وكذلك يختلف مع من هم تعارفهم بسيطا وسطحيا معك، وبعض من هولاء قد يكون مُعقدا وصعبا عليك في التعامل معه، لكن حاول قدر الإمكان أن تكون مُنصف التعامل، وابتعد عن الإساءة واقترب قليلاً من المعروف، فمعروف القول من خُلق النبلاء والعقلاء، ومما لاشك فيه أننا نرى أخلاقيات وتعامل تجعلك تفكركيف تعرفت عليهم، وقد تندم على بعض المعارف لكن تحمل فالحياة لا تسيركما نريد.
مصداقية التعامل بالأخلاق للمصلحة فقط، هو أسوأ ما يكون، والشخص العفوي قد يأتيه من حب الناس وتقديرهم، أكثر بكثير من الشخص ذي المصلحة، لنقطة واحدة فقط هي أن الشخص العفوي يتحدث بشفافية ويتعامل بأخلاقه ذات المصداقية التي خلقه الله عليها، عندها يعلم الجميع أنه لا يسعى لحاجة أو مصلحة زائلة الانتهاء، أما دخول الشخص ذي المصلحة بشكل مفاجئ في صفوف هؤلاء يحدث نوعا من الثرثرة والضوضاء باستفهامات عديدة... كيف، لماذا...؟!، إذاً لابد على كل إنسان أن يرتقي قليلاً عن التصنع لأجل مصلحة أو حاجة تجعله يمثل على الجميع وفي الغالب الكل يعلم ماهي أخلاقياته، فكر قليلاً عش لنفسك أنت لا لأجل التقرب للناس بالتصنع أو التمثيل المزيف، لاتكن أمام الناس بأخلاقيات وخلف الكواليس غير ذلك، وتأكد أن الدين خُلق للمصداقية الأخلاقيات، لا تجعل المصلحة تميت فن التعامل بداخلك، وتذكر أن نبينا كان يدعو قائلاً:(اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي، فَحَسِّنْ خُلُقِي).
المصلحة مهما كانت قوتها فإنها تموت وتستغني عنها في يوم من الأيام، بعكس التعامل الحسن الذي لا يموت حتى وإن مت أنت.