(تربية «هذا حلال، وهذا حرام» تنشئ جيلا يراقب الله، ولكن تربية «هذا عيب» تنشئ جيلاً يراقب الناس»).
هذه العبارة أرسلها إلي بعض الأصدقاء، وطلب مني التعليق عليها، وبيان ما يظهر لي فيها من الناحية الاجتماعية والتربوية.
وبعد التفكير في العبارة المتقدمة وجدت أنها تتضمن جزئيتين:
الجزئية الأولى: أن تربية «هذا عيب» تنشئ جيلاً يراقب الناس، وهذه الجزئية صحيحة إلى حد كبير؛ لأنها تجعل من الطفل شخصية ضعيفة مهتزة، وتفقده الثقة في النفس، فكلما فعل شيئاً قيل له: هذا عيب، هذا عيب، فتنعدم عنده روح المبادرة والإقدام، خوف التعنيف، فيلجاً إلى الانزواء والانطواء، ففي كل تصرفاته يراقب الناس، ويخافهم، ويتوقع انتقاداتهم.
الجزئية الثانية: وهي تربية: هذا حلال وهذا حرام تنشئ جيلاً يراقب الله.
هذه الجزئية غير صحيحة، بل قد تكون أخطر من الجزئية الأولى؛ لأن مفهومي الحلال والحرام مفهومان شرعيان، ولا ينبغي أن يستعملهما غير العلماء؛ لأن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، فتربية الطفل على هذا حلال، وهذا حرام، تجعله يتجرأ على هذه الأحكام، ويطلقها في غير موضعها، وتكون أشد خطورة في مرحلة المراهقة، وطيش الشباب، فبمجرد أن يقرأ مطوية، أو يسمع شريطاً، حتى يبدأ في التحليل والتحريم، وقد يصل به الأمر إلى التكفير!
وقد شاهد الجميع كثيراً من الشباب المغرر بهم، حملتهم الجرأة على الأحكام الشرعية من التكفير، والتحريم -مع جهلهم وقلة علمهم- على ارتكاب أمور فظيعة.
ولذلك فإن أفضل أساليب التربية هو أسلوب القدوة الحسنة، بأن يلتزم الآباء والأمهات بفعل الحسن من الأفعال والأقوال أمام أبنائهم، ويتجنبوا الأمور السيئة، والأقوال القبيحة، مع تشجيعهم إذا فعلوا حسناً، أو قالوا قولاً جيداً، لأن ذلك كان أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال، مع تنبيههم وإرشادهم إلى الصواب إذا فعلوا خطأ، أو قالوا سيئاً.
أما ما هو مشاهد من بعض الآباء من فعل أمور قبيحة وأقوال سيئة كالكذب، والسب والشتم، ثم ينهرون أبناءهم ويعنفونهم إذا فعلوا أو قالوا مثلهم، فهذا لن يجدي نفعاً، بل يربي الولد على الانفصام بين الأفعال والأقوال، ولهذا ذم الله تعالى ذلك الأسلوب، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (سورة الصف 2-3).