سحق «داعش» أصبحت قضية محسومة، غير أن أهم إنجازات هؤلاء الداعشيين أنهم أظهروا للعراقيين أولاً وللعالم ثانياً أن المالكي عميل صغير، لا يعمل لمصلحة بلاده ولا لأهل بلاده ولا لحل مشكلاتها وتنميتها بقدر ما يعمل لمصلحة إيران وتمويل سياساتها التوسعية. إيران حاولت أن تدافع عنه، وأن تضغط لإبقائه، غير أن الفضيحة كانت أكبر من أن توارى، بعد أن اقتنع العراقيون أولاً والعالم أجمع ثانياً وفي مقدمتهم أمريكا ودول الغرب أن الحاضنة التي هيأت لداعش كل هذه القوة والسطوة وهذه القدرة على الانتشار السريع كانت ممارسات المالكي الطائفية ضد أهل السنة العراقيين، ما مكنها بألفي مقاتل أن تحتل الموصل ذات الأربعة ملايين نسمة في ساعات، ثم تتقدم لتكتسح ما حول الموصل من قرى في طريقها للسيطرة على العراق بأكمله، وأن كبح جماح داعش تبدأ من إقصاء المالكي أولاً وقبل أي شيء.
لم يكن في مقدور إيران الدفاع عن عميلها، رغم أنها حاولت في البداية، إلا أنها رضخت في النهاية، واكتفت بإمساك العصا من منتصفها وقبلت على مضض بإقصاء المالكي عن رئاسة الوزراء والإتيان بحيدر العبادي مكانه، وهو الآخر عضو نشيط من أعضاء حزب الدعوة الشيعي العراقي الموالي لإيران؛ غير أن العبادي وجد أن مساحة العمل لمصلحة إيران في منتهى المحدودية وأن الاستمرار في سياسات المالكي سيوصله إلى المأزق ذاته الذي وجد المالكي نفسه فيه، أي أن إيران خسرت كثيراً من نفوذها في العراق ولم يعد في مقدور العبادي أن يفتح لها خزائن العراق لتغرف منها متى شاءت وتُنفق أينما شاءت.
وحربها في سوريا ودعم نظام الأسد يكلفها الكثير خاصة وأن هذه الحرب لا يبدو أن لها نهاية قريبة بعد أن وافق الكونجرس الأمريكي على دعم ثوار سوريا بالسلاح، ما يعني أن مواجهة الثوار في سوريا تحتاج إلى اعتمادات مالية أكثر مما قبل، إضافة إلى أنها تعاني اقتصادياً من تبعات الحصار المفروض عليها من الغرب يسبب طموحاتها النووية.
أما على المستوى السياسي فقد تم استبعاد إيران من التحالف ضد الإرهاب، خوفاً من أن يفسر انضمامها إلى الحلف على أنه حلف طائفي ضد أهل السنة، وهو ما يحاول القائمون على التحالف العالمي أن ينأوا بأنفسهم عنه، فتم استبعاد إيران كلية لهذه الأسباب.
ما تقدم يعني أن إيران فقدت قدراً كبيراً من نفوذها في العراق، وسوريا تستنزفها، وحزب الله في لبنان الذي دفعته إلى مناصرة الأسد في سوريا يحتاج هو الآخر إلى تمويل مضاعف من الناحية المالية، فضلاً عن أنه يواجه ضغوطاً من اللبنانيين أنفسهم بما فيهم الشيعة لعدم التورط أكثر في الحرب الأهلية السورية.
وكانت إيران بعد سقوط صدام حسين بفعل الأمريكيين وتسليمهم العراق للمتطرفين الشيعة، تعمل على إنشاء (كاريدور شيعي)، أو كما يسميه البعض (هلالاً شيعياً) قاعدته إيران، ويمر بالعراق، فسوريا، وينتهي بضفاف البحر الأبيض المتوسط في لبنان؛ هذا الحلم يبدو أنه الآن أصبح بعيد المنال؛ فالعراق ينأى شيئاً فشيئاً عن السيطرة الإيرانية، ونظام الأسد يتداعى ولا يبدو لأن إيران قادرة على إنقاذه من مصيره المحتوم، وحزب الله مثخن بالجراح ولم يعد قادراً على إقناع حتى أطفال اللبانيين بأنه يقاوم إسرائيل وليس عميلاً لإيران التي ألقت به وباللبنانيين الشيعة في أتون الحرب السورية؛ والدول الخمس زائد واحد المعنية بالتفاوض مع إيران حول ملفها النووي لن تقدم أية تنازلات للإيرانيين وهي ترى المأزق الإيراني تتزايد ضغوطه يوماً بعد يوم، بل ربما تتجه إلى فرض مزيد من العقوبات لدفعها على التقيد بضوابط إجرائية لمنعها من امتلاك السلاح النووي.
ورغم أن هناك شكوكاً تدور حول أن الإيرانيين ومعهم السوريين هم من صنعوا داعش أو أنهم وظفوها ضد الثوار السوريين لمصلحة الأسد إلا أن داعش في نهاية المطاف يبدو أنها أدخلت إيران نفقاً لا تدري كيف تخرج منه.
إلى اللقاء ..