القراءة المتأنية والفاحصة لبيان اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الرئيس اليمني مع المتمردين الحوثيين، الذي أنهى القتال في العاصمة صنعاء «مؤقتاً»، توضح أن الحوثيين قد فرضوا إرادتهم، وأصبحوا ليس مشاركين في حكم اليمن، بل مراقبين ومشرفين على أداء الحكومة، بل حتى مشاركة رئيس الجمهورية في قراراته، ومراقبة تلك القرارات، ومشاركة في صياغتها عبر مجموعة المستشارين الذين لا بد لرئيس الجمهورية اليمنية من أخذ موافقتهم قبل إصدار أي قرار.
ومع أن الحوثيين سيكون لهم الدور الرئيسي في اختيار رئيس الحكومة والوزراء، وأن عدداً من هؤلاء الوزراء سيكونون ممثلين لهم من أعضاء الجماعة أو المقربين، فإنهم - لا شك - سيعارضون وجود أي وزراء معادين لهم، وبالذات من جماعة الإصلاح «الإخوان المسلمين»، كما سيكون هناك تمثيلٌ كبيرٌ لحلفاء الحوثيين من ضرب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يعد هو ومعسكره من أكثر الأطراف انتصاراً لما حصل؛ ولهذا لا يستبعد أن يعود أنصار عبدالله صالح، وبخاصة من ضباط الجيش والأمن، وأن وزراء الوزارات المهمة السيادية، وإن حددت وثيقة الاتفاق وحصرت مسؤولية اختيارهم برئيس الجمهورية، إلا أن الاختيار لا بد أن يحظى بموافقة الحوثيين. وهكذا، فإن وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية إن لم يكونوا من الحوثيين فإنهم لن يكونوا من المعارضين لهم. وقد يحاول الحوثيون الضغط بتوزير حلفائهم من جماعة علي عبدالله صالح.
عموماً، ينظر المراقبون في اليمن إلى أن الجولة الحالية انتهت بفرض إرادة الحوثيين على القيادة الشرعية للدولة، ممثلة برئيس الدولة، وأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد انتقم ممن أقصوه من الحكم، خاصة حزب الإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن، وأن المنتصر الثالث لما حصل في اليمن هو النظام الإيراني الذي يتبجح أحد قادته بالقول إن نظام ولاية الفقيه أصبح يسيطر الآن على أربع عواصم عربية، هي (دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء). ويرى المراقبون أن ما حققه الحوثيون في صنعاء سيشجعهم على التهام المزيد من الأراضي اليمنية في الشمال، وأنهم يعدون أنفسهم لجولة قادمة من المعارك؛ إذ لاحظ المتابعون أنهم قد شرعوا في جمع «غنائمهم» من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وإرسالها إلى معاقلهم في الشمال، على الرغم من توقيعهم اتفاق الشراكة، وأن جميع أسلحة الجيش التي جمعوها بعد الاستيلاء عليها أصبحت في قبضة الحوثيين، وقد جمعوها في مواقعهم شمال صنعاء استعداداً لجولة أخرى لاستكمال إحكام قبضتهم على الشطر الشمالي من اليمن.