الصحافة الصفراء هي صحافة الإثارة والفضائح، وسميت بالصفراء نظراً لأنها كانت تطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن وقد تكون هذه الصحف يومية أو أسبوعية أو شهرية أو دورية.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة، تُعرف الصِّحافة الصَّفراء بأنها: صِحَافة الإسفاف والإثارة. اللون الأصفر يرمز إلى الخلو من المضمون، والمرض، والهزال، ويقال «صفرة الموت».
ويصفها الإعلامي عبدالحليم حمود في كتابه «الصحافة الصفراء»، بأنها نوع من الصحافة: صاخبة، فاضحة، متلصصة، تقود الحملات، تتبنى الشائعات، وتبثها أيضاً.
وهي صحافة تفتقر إلى الصدقية، والدقة، وتميل إلى التهويل والمبالغة، وتعتمد على الإشاعات أو الأخبار الكاذبة أو المحرفة أو المصنوعة، وهذا يفقدها ثقة القارئ.
لجأ القائمون على البرامج الرياضية التي تبث مساءً إلى اعتماد أسلوب «الصحافة الصفراء»، فأصبح حالهم كحال «حاطب الليل»، ليقدموا لنا نوعية جديدة، ولكنها رديئة المضمون والمحتوى أطلقت عليها «البرامج الصفراء» التي اعتمدت منهج الإثارة، وتهييج الرأي العام الرياضي بأساليب الصحافة الصفراء ذاتها، فغلب على مضمونها:
الانحياز الفاضح، والمبالغة المكشوفة في تضخيم أحداث وقضايا معينة مقابل السكوت عن أخرى وتجاهل قصص مهمة معتمدة سياسة «الكيل بمكيالين»، والفشل في تحقيق أبسط درجات تقصي الحقائق، والانحراف الواضح عن المعايير الأساسية للصحافة، وعدم اتباع معايير أخلاقية أو مهنية صارمة، وافتقار إلى الثبات المهني في معالجة القضايا أساسه تفشي ازدواجية المعايير، الاعتماد على مصادر لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الموثوقية.
لذلك استطاع المتلقي ذو الثقافة الإعلامية البسيطة،» فما بالك بالمتخصص»، أن يعري محاولاتها في الإسقاط المتكرر، والسيناريوهات المزيفة أو المشبوهة لتمرير الأكاذيب المسيئة، وبأساليب رخيصة لشخصيات أو جهات معينة في الوسط الرياضي.. بشكل استفزازي يقترب من الابتزاز للمتلقي أو المعني من خلال قصص محبوكة لاستجلاب أو استجداء الإعلانات التجارية بعد إيهام الشارع الرياضي كذباً بأن هذه البرامج هي التي تكشف حقائق بينما في الواقع هي تعتمد على الانحياز الفاضح في تأليب الرأي العام، وبشكل يسيء لمجتمع رياضي بأكمله.
أمثلة
الأمثلة على ما ذكرت أعلاه عديدة، وهاكم على سبيل المثال لا الحصر:
- إثارة قضية البرقان، وشخصنتها بعيداً عن لجنة الاحتراف، وبأسلوب غلب عليه «تصفية الحسابات» بانحياز مكشوف، واستقصاد واضح.. مقابل تجاهل تخبطات لجنة التحكيم الواضحة، وتناقضات لجنة الانضباط المكشوفة، والتي كان آخرها تغييب تقارير، والسكوت عن معاقبة فريق خالف لاعبوه اللائحة الانضباطية.
- برنامج يثير تغريدات لمسؤول إعلامي في الرابطة، ويشغل حيزاً من وقته لمناقشته، والتحقيق معه، وفي المقابل يتجاهل تماماً فضيحة التغريدات المسيئة لرئيس اللجنة الإعلامية، أو على الأقل فتح ملفها، والإشارة إليها في ازدواجية واضحة.
- الخروج المتبادل لشخصيات ترد على أخرى، أو جهات إعلامية عبر هذه البرامج الصفراء في غير منابرها الإعلامية التي يفترض أن يكون التعقيب من خلالها، وفي مخالفة واضحة لأبسط معايير المهنية، كما ظهر رئيس الاتحاد السابق في رده على جريدة رياضية متخصصة، وكما فعل رئيس الهلال السابق في الرد على مدرب فريقه آنذاك.. كل ذلك تم في حالتيّ انحياز، وتصفية حسابات واضحتين.
- الترصد لقضايا نادي الهلال، وتضخيمها في تواقيت معينة للإضرار به بشكل مكشوف، ومفضوح من برنامجين محددين في الوقت الذي لا يسلط هذان البرنامجان الضوء على قضايا أندية أخرى.. مثل حقوق زيايه المتأخرة لدى الاتحاد، قضية نجران والرمثا الأردني، وحقوق دلهوم وفلامنقو والجبرين المستحقة على النصر للأندية الجزائرية والبرازيلية والسعودية.
- تجاهل لقضايا الحكام السابقين والذين تحولوا لمهمة تقييم الحكام، وهم يظهرون في مناسبات اجتماعية رسمية مرتدين لقمصان أنديتهم المفضلة بشكل سافر في تصرفات غير مسؤولة، بينما سبق لهذه البرامج أن سلطت الضوء على حكم سابق غير معروف لأنه أصدر ألبوماً تغني فيه بالهلال على الرغم من انقطاعه وتركه التحكيم!!
- أحد مذيعي البرامج الصفراء يظهر على الملأ، وعلى الهواء مباشرة، مرتدياً قميص فريقه المفضل في مشهد ضرب فيه معايير المهنة الإعلامية وأخلاقياتها في مقتل.. ثم يتشدّق بالمهنية محاولاً أن يمرر قضاياه التي يفتعلها على أنها من صميم العمل المهني!
- مذيع أحد البرامج الصفراء يلاحق اتحاد التأريخ والإحصاء عبر حلقات، ويصفه باتحاد الشقق المفروشة، ومع تغريدات لمحامي، ووكيل أعمال يحذّر فيها عبر «تويتر» من التعامل مع نادي المذيع المفضل يلتزم الصمت المطبق، ومع مطالبات وكيل دلهوم يختفي مثل « فص ملح وذاب» .. عن أي مهنية تتحدث؟
- مذيع يمرر اتهامات مبطنة لرئيس ناد مشهود له بالأمانة، والاحترام بعبارة: «زبطني وازبط»، وقبلها يسيء بانتهازية لزملاء المهنة من خلال تغييب أصواتهم ومنعهم من حق الرد، ثم يرسم على المتلقي الموضوعية، ويحاول لبس ثوب المهنية!
- وآخر يتخصص في مطاردة عضو مجلس إدارة، واستقصاده موسماً كاملاً، وينال منه متهكماً عبر لقطات ساخرة، ثم يقلب موجة المطاردة بعنصرية بغيضة نحو مدرب الفريق في الموسم الذي يليه في «شخصنة» لا علاقة لها بالمهنية.. الإداري، والمدرب ينتميان لنادٍ واحد.. بينما يغض طرف المطاردة والتهكم والسخرية عن بقية إدارييّ ومدربيّ الأندية الأخرى مهما فعلوا!
هذا غيض من فيض، وجزء من كل لممارسات، وإسقاطات «برامج صفراء» أضرت بمجتمعنا الرياضي، ونقلت الكرة فيه من الملعب إلى المدرج بأساليب «الصحافة الصفراء» الرخيصة.. البغيضة، والتي تهيج الرأي العام، وتشتت تركيز مسؤولي الأندية، والاتحادات الرياضية، وتلهب مشاعر البغضاء والشحناء بين أبناء مجتمع واحد بسبب ميول، أو حقد، أو مصالح خاصة لا علاقة للرسالة الإعلامية بها.. والمهنية منها بريئة.
فواصل
- لقد أصبحت البرامج الرياضية «فقيرة المهنية «فرصة لـ» التنفيس» لمذيعيها.. من خلال ممارسة انحياز وانتقائية مضحكة ومكشوفة.
- من يعتمد شعار «كن موضوعياً، ولا تكن محايداً» سينجح، ولن يضره إعلان ميوله.
- لأن الزميلين مصطفى الآغا، ومعه وليد الفراج لم يشخصنا، ولم يصفيا حسابات مع من يختلفان معهما فإن «صدى الملاعب» و»أكشن يادوري»هما من كسب الجولة باحترافية ومهنية تحسب لهما.
- لا مهنية في حضرة الشخصنة والسمسرة وتصفية الحسابات وازدواجية المعايير فاقد الشيء لا يعطيه.
أخيراً ..
«مثل السعي للحرية والديمقراطية، فإن الموضوعية في الإعلام شارع ذو اتجاه واحد ولا يمكن التفاوض حوله، فإما أن تكون معه أو ضده».