أهدتني دارة الملك عبدالعزيز مشكورة، التي أصفها دائماً في مقالاتي بـ (معين تاريخنا ومستودع إرثنا الحضاري) وهو وصف استحقته بجدارة لحسن صنيعها، وأضاف إليه الأخ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان، صاحب كتاب (إنسانية ملك) الذي نحن بصدد السياحة فيه اليوم، وصفاً آخر، استحقته دارتنا بجدارة أيضاً: (بيت العلم ومنارة المعرفة).
ونتفق كلنا في وصف رئيس مجلس إدارتها، سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بـ (مؤرخ الشيوخ وشيخ المؤرخين)، وأضاف إليه اليوم شاعرنا المجيد عبدالرحمن أبا الجيش، وصفاً رائعاً، استحقه سلمان بكل جدارة واقتدار، حين ناداه في قصيدته الرائعة (يا معجم التاريخ) التي نشرت بجريدة الجزيرة الصادرة يوم الاثنين، 20 من ذي القعدة 1435هـ، الموافق 15 من سبتمبر 2014م، العدد 15327، ص 18، إذ يقول:
يا معجم التاريخ في علم الأنساب
يا مرجع الكتاب واللي بعدها
وإن صار أخذ ورد في بعض الأسباب
اتحلها يا بو فهد وتعقدها
ولعمري هو وصف صادق صادف أهله، فسلمان حقاً معجم تاريخنا المجيد، بل هو موسوعة شاملة متكاملة، يعرف تاريخنا كما يعرف أحدنا نفسه، فضلاً عن مكانته فينا، وخدمته لنا، وحبَّه الصادق لكل واحد منا، وحرصه على سعادتنا ورفاهيتنا وأمننا واستقرارنا، وسمعة بلادنا ومكانتها وريادتها المستحقة بين الأمم.
وصحيح.. احتل سلمان هذه المكانة السامية في نفوسنا بصدقه وإخلاصه، وكدِّه وتعبه، وسهره على راحتنا وتنمية بلادنا، حتى صار:
له في قلوب الناس فرحة وترحاب
الشوق دافعها وحبه مددها
وأصبحت:
محبته طوق على كل الأرقاب
طوق ينورها ويبعد حسدها
لأنه:
ايقابل الشاكين ويحل الأنشاب
تكبر ولا جاته تموت بمهدها
كما يؤكد شاعرنا أبا الجيش في قصيدته الرائعة التي أشرت إليها آنفاً.
أقول.. صحيح إن سلمان استحق هذا وغيره كثير من حبنا له وتقديرنا واحترامنا لشخصه الكريم، بل وفخرنا واعتزازنا به، لحسن سيرته فينا، لكن أيضاً بدعاء والده المؤسس له، كما جاء في مقدمة الكتاب الذي نحن بصدد استعراضه الآن؛ إذ دعا له المؤسس - طيب الله ثراه - وهو يصارع سكرات الموت، عندما علم أن سلمان أجَّل زواجه الذي كان مقرراً في الأسبوع الذي توفي فيه والده، وامتنع عن إقامة حفلته، حتى شفاء الوالد الكريم: الله يبارك في سلمان.. الله يبارك في سلمان. فأمَّنت الزوجة الصالحة، الأميرة حصة بنت أحمد السديري والدة سلمان - طيَّب الله ثراها - على دعاء الملك الصالح لابنه البار سلمان، فاستجاب الله دعاءهما ولم يخب رجاءهما، فبارك لنا في سلمان وإخوته الكرام، ولهذا نتمتع نحن اليوم بحصاد غرس المؤسس الذي لم يغفل عن رعايته وحرصه عليه، حتى وهو يجود بروحه الطيبة الطاهرة المباركة. مثلما وفقه الله سبحانه وتعالى، وأخذ بيده عندما دعا له والده الإمام عبدالرحمن الفيصل، كما جاء في رده على حافظ وهبة حين سأله عن سر رد رسائل عبدالعزيز لوالده مع حاملها إليه دون الاطلاع على ما جاء فيها، فقال: عبدالعزيز موفق، خالفناه في آرائه كثيراً، ولكن ظهر لنا بعد ذلك أنه هو المصيب، ونحن المخطئون. إن نيته مع ربه طيبة، لا يريد إلا الخير للبلاد وأهلها، فالله يوفقه ويأخذ بيده.
فاستجاب الله دعاء الشيخ الجليل الوقور لولده الصالح البار عبدالعزيز، فأسس لنا هذا الوطن العملاق، ورسَّخ أساس بنائه المتين، ووضع له دستوراً يقوده دائماً نحو النور، بعد أن جمع شمل أهله على قلب رجل واحد، وأعد الرجال وهيأ الأبناء، وقضى عمره المبارك كله لتستمر مسيرة الخير القاصدة، ويستجيب الله الكريم المتعال، دعاء راكان بن حثلين لعبدالعزيز: الله لا يقطع شجرة أنت منها يا عبدالعزيز. فتورق تلكم الشجرة الطيبة المباركة، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، لأنها صاحبة رسالة سامية لخدمة العقيدة، وإعلاء كلمة الله، ونصرة الحق، ونفع الناس أينما كانوا، فهي كالغيث المنهمر، حيثما حل اعشوشبت الأرض واخضرت، وأخذت زخرفها وأزينت، فكان النفع والخير والأمن والأمان والاستقرار.
أعود لهدية الدارة، التي قدمت لي مشكورة مجموعة كتب قيمة، وكل كتبها قيمة، بل إن كل كتاب من كتبها هو أكثر قيمة من الآخر، لأنها كلها تعنى بتدوين تاريخنا وحفظ تراثنا ليبقى شاهداً على تضحيات آبائنا وأجدانا، ومشعلاً ينير الطريق لأبنائنا وأحفادنا وأجيالنا اللاحقة، ليظل نبع الخير هذا دافقاً إلى الأبد إن شاء الله. أقول.. أهدتني الدارة مجموعة كتب، فأول ما وقع بصري، كان على أصغر تلك الكتب حجماً، وربما أقلها من حيث عدد الصفحات، غير أنه قطعاً كان أثقلها وزناً وأثمنها قيمة، وأغزرها مادة وأكثرها قدرة على التأثير في النفس وإثارة الشجون، ذلك هو كتاب (إنسانية ملك) بقلم الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان.. ولا أتجاوز الحقيقة إن قلت إنني التهمته في جلسة واحدة. فكلما أردت التوقف عن القراءة لبعض شأني، شاقني ما طالعته لمعرفة ما بعده، وهكذا حتى وجدتني عند آخر صفحة، فتركته جانباً وظلت أحداثه تدور في ذهني وتتدافع، فرأيت أن أشارك القراء في هذا اليوم المبارك، الذي نحتفي فيه جميعاً بالذكرى الرابعة والثمانين لمنجز عبدالعزيز وغرسه الطيب لنا، بما وجدته من متعة وما وقفت عليه من جوانب مدهشة في حياة هذا البطل الفذ، والقائد النادر الملك الصالح عبدالعزيز آل سعود، المتوكل دوماً على الواحد الودود.
وكما هو واضح من عنوان الكتاب، حاول المؤلف، الأخ الفاضل الدكتور عبدالعزيز الثنيان، جزاه الله خيراً، تسليط الضوء على أحد الجوانب الإنسانية في شخصية المؤسس رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه شآبيب الرحمة والغفران. ولا أقصد بهذا التقليل من جهد المؤلف، بل لأن الجميع يتفق معي، وأولهم المؤلف نفسه، أنه من الصعب علينا، إن لم يكن من المستحيل كما سنرى في نهاية المقال، أن نحصي الجوانب الإنسانية في شخصية هذا البطل الفذ، القائد الهمام الملك الصالح عبدالعزيز آل سعود، مهما أوتينا من حسن البلاغة وسحر البيان، فقد كان الرجل أمة كاملة، أدهشت شخصيته المهيبة كل معاصريه، من الإمبراطور غليوم حتى السلطان عبدالحميد وروزفلت وتشرشل وتوتيشل وكنيث وليمز والعقاد والمازني وغيرهم كثير، مثلما أدهشتنا نحن اليوم، مؤكداً أن هذه الحالة سوف تنتاب كل من قرأ تاريخ المؤسس وتأمل منجزه الحضاري هذا، الذي نتفيأ نحن ظلاله اليوم، ونظر للأمر بعين منصفة.
ومع هذا، أعود مؤكداً من وجهة نظري المتواضعة، أن المؤلف نجح كثيراً في تجسيد تلك اللمحة الإنسانية في شخصية المؤسس، في لغة سهلة وعبارات جزلة وأفكار رصينة، تؤكد ما تناقله الرواة عن روح المؤسس السامية، وعقله الكبير، وحلمه وتواضعه، وثقته بخالقه واتكاله عليه، وحرصه على طاعته، وخوفه منه سبحانه وتعالى، وشجاعته وإقدامه، وكرمه ووفاءه وعدله، وحبه الفياض لأبناء شعبه وتوقيره للعلماء وحسن بره بوالديه، إلى غير هذا مما تفضل به الخالق العظيم سبحانه وتعالى، على عبده الصالح عبدالعزيز آل سعود، من صفات قيادية فريدة، لا أعرف أنها اجتمعت في غيره.. وذاك فضل الله، يؤتيه من يشاء من عباده الصالحين.
وقد ركز المؤلف في كتابه بشكل أساسي على سمو روح المؤسس، وقدرته المذهلة على السماح والتجاوز عن الإساءة مهما عظمت، مادامت لا تمس العقيدة والحرمات، واحتواء الخصوم والمناوئين، بل والأعداء الذين شهروا السيف في وجهه الكريم، وأصابوه بجروح ظلت شاهدة في جسده الطاهر على ظلمهم له حتى لقي ربه.
والحقيقة، أكد المؤلف بأسلوب بارع، قدرة هذا البطل العظيم عبدالعزيز آل سعود، على السماحة والوفاء والعدل، وبعد النظر والموهبة المدهشة في القيادة والإدارة، في أكثر من موقف.
فها هو يخاطب أحد شيوخ شمر، الذي نزع يد الطاعة وتمرد وتنمر بعد أن أغواه الشيطان بمنازعة الملك عبدالعزيز السلطة، فلما جيء به من العراق ومثل بين يدي الملك عبدالعزيز، لم يزد على أن وبَّخه ثم خاطبه القائد الكبير الواثق بالودود: أنت وشأنك. ثم أمر مسؤوله عن شؤون الضيوف، إبراهيم بن جميعة: يا بن جميعة: أكرموه وأعطوه كل ما يريده من زاد وسلاح، واتركوه حراً يرجع للأرض التي جاء منها، ويعود إن شاء لتمرده وعصيانه. اتركوه.. اتركوه.
فهزمت نفس عبدالعزيز الكبيرة، التي لا تعرف الحقد والانتقام، شيطان التمرد في نفس ذلك الشيخ، فصاح على رؤوس الاشهاد مخاطباً عبدالعزيز: أنت الأكرم وأنت الأسمح وأنت السيد المطاع.. أريدك يا عبدالعزيز على خيرك وشرك.
ليس هذا فحسب، بل إن روح عبدالعزيز الكريمة المتسامحة الصادقة، جعلت أبناء من قتلهم عبدالعزيز في حروب التوحيد، حراساً شخصيين له، يسهرون على راحته ويذودون عنه بدمائهم وأرواحهم الغالية، لأنهم اطمأنوا إلى أن عبدالعزيز يراهم كما يرى أبناءه، ولا يرضى فيهم إلا بما يرضى في أبنائه.. ليس قولاً وشعارات براقة جوفاء، كما يفعل معظم زعماء العالم اليوم، بل فعلاً صادقاً، والدليل أنه أوكل إليهم أمر حراسته الشخصية. فأي بطل هذا وأي رجل وأي حكيم؟!
وتزداد نفس الملك عبدالعزيز الكبيرة دائماً عظمة، وروحه إشراقاً ويقيناً وإيماناً بخالق الكون، فيزجر من جاءه يسعى مبشراً باغتيال الملك عبدالله بن الحسين: هل أشمت بموت الملك عبدالله؟ هل يشمت عاقل بموت الناس؟ لا يشمت بموت الناس إلا الجبان الرعديد.
وتتسامى نفسه الكريمة على الآلام والجراح، فيرسل السيارات لإحضار طاهر الدباع من العراق، حتى إذا مثل بين يديه، رحب به معتذراً: مرحباً يا سيد، لكن سامحنا، لأنك عندما كنت في العراق، وتكتب لأصدقائك ومعارفك في الحجاز، كنا نفتح تلك الخطابات، وأنت تكتب فيها أنني ملك جاهل، يحكم شعباً جاهلاً، واليوم أصدرت قراراً بتعيينك مديراً عاماً للمعارف في البلاد لتعلم الجميع. وكأنني بالدباغ وقد سقط مغشياً عليه من هول الدهشة، وهي الدهشة ذاتها التي تكاد تسقط عبدالعزيز الزيد بعد قليل.. فأي روح وأي ذكاء وأي عظمة تلك التي تحلى بهذا هذا الرجل الكبير، البطل الفذ عبدالعزيز آل سعود، الذي لم تمنعه مناصرة رشيد الناصر بن ليلى لغريمه عبدالعزيز بن رشيد، من تعيينه عضواً في مجلس الشورى، ثم ممثلاً له في سوريا حتى لقي ربه. ويطيّب خاطره بكلمات صادقات، لا تنبع إلا من قلب رجل كبير مثل عبدالعزيز: إن عملك هو من أعمال الأوفياء مع بني قومهم، ولا تثريب عليك، ولك الكرامة والتقدير. بل ذهب عبدالعزيز أبعد من هذا، فاصطفى كثيراً من رجال الأشراف وعينهم في مراكز حساسة، إذ عين فؤاد الخطيب سفيراً في أفغانستان، وعبدالحميد الخطيب سفيراً في باكستان، ومحمد الطويل مديراً للمالية، وعبدالرؤوف الصبان عضواً في مجلس الشورى. والأمثلة كثيرة تجل عن الحصر؛ فلا غرو أن يسير أبناؤه على النهج ذاته، فها هو نايف النايف - رحمه الله - أسطورة الأمن والأمان، يؤسس مركزاً لمناصحة من حملوا السلاح ضد وطنهم وبني جلدتهم، ويبذل كل جهده لتصحيح أفكارهم وتصويب مفاهيمهم، ويرفق بعائلاتهم وأسرهم ويصرف عليهم، لإيمانه بحقهم الأصيل على بلادهم حتى إن أغواهم الشيطان وأوردهم المهالك. وكان نتاج هذه السياسة الحكيمة، هذا الحب الصادق والتلاحم الفريد بين القيادة والشعب كافة، الذي جسد لوحة باذخة الجمال، تكاد تكون وحيدة في عالم اليوم الذي يموج بالفتن من شرقه إلى غربه.
وها هو عبدالعزيز بن زيد، رئيس وفد محمد بن طلال بن رشيد في مفاوضات الصلح مع عبدالعزيز أثناء حصار مدينة حائل، يقسو في الحديث مع عبدالعزيز ويغلظ القول، يشهد بسماحة نفس عبدالعزيز وتفرده، إذ يقول بعد استسلام حائل ودخولها تحت مظلة السيادة السعودية: كنت أتوقع أنني أول مواطن من أهل حائل سيضرب عبدالعزيز عنقه بالسيف، إلا أنه ما أن رآني حتى قابلني بالرضا والابتسام، قائلاً: أين ابن فارس وكيل المؤونة؟ ألم أقل لك إذا ضحيت لوالدي ووالدتي وأهلي الأموات، أذبح أضحية للمرحوم حمود الزيد، والد عبدالعزيز هذا، لما قلته بحقه عندما أغضبني ابنه؟! أجل.. أي قائد هذا وأي بطل وأي مؤمن قوي صادق الإيمان الذي يحاسب نفسه إلى هذه الدرجة، فينصف الناس منها، ويأخذ لهم حقهم حتى من عبدالعزيز نفسه.
ولهذا، على كل من أدهشه عدل عبدالعزيز أن يدرك السر، فمن ينصف الناس من نفسه لن يقبل بظلم أحد أبداً مهما كان، بل لن يقبل حتى بظلم الحيوان، كما أكد لأمين الريحان: العدل عندنا يبدأ بالإبل، فمن لا ينصف بعيره يا حضرة الأستاذ، لا ينصف الناس.
هو عدل لا التواء فيه ولا محاباة أو مجاملة، يجعل هذا القائد الفذ الفريد عبدالعزيز، يعترف لأحد مواطنيه (التاجر ابن عيسى): الحق عليّ لأني لم أحذرك، فلا أقاصك هذه المرة. هو عدل جعل الملك عبدالعزيز وهو من هو، يفترش الأرض جنباً إلى جنب مع خصم له من عامة مواطنيه، أمام الشيخ سعد بن عتيق قاضي الرياض، الذي جلس على عتبة الباب ليقضي بينهما، وعبدالعزيز فرح سعيد، بل إن الفرحة لم تكن تسعه، لأنه يربي شعبه، تماماً كما يربي أبناءه، ويلقنهم ويؤدبهم ويعلمهم مكارم الأخلاق ومبادئ العدل والمساواة النابعة من دستور بلاده المستمد من الشريعة الإسلامية والسنَّة النبوية التي لا تفرق بين أمير وخفير في الحقوق والواجبات.
عدل ورفق بالرعية، وسماحة نفس تدفع بدوياً يعترض طريق عبدالعزيز صارخاً بأعلى صوته: أوقف مطيتك يا عبدالعزيز، أنا رجل فقير مظلوم، لا تتركني لغيرك. فيسمع عبدالعزيز ويوقف مطيته مجيباً الأعرابي: مرحباً بك يا أخا العرب، لقد أمرتني بخير.. ما اسمك؟
ويدور حوار بين القائد المربي العادل المنصف والأعرابي، ثم يكتب عبدالعزيز بعد أن اتضح له الأمر: من عبدالعزيز إلى أمير الدوادمي، أعد لمطلق جمله، وأعطه من جمالك جملاً آخر، نكالاً لك على ظلمك له، وحذار أن يتكرر منك هذا مع أحد من المسلمين.. إنه إعلان للأمة ولأمرائه أينما كانوا، كما يؤكد المؤلف، أنه لا ظلم ولا ضيم في وطن عبدالعزيز.
عدل يدفع كل مظلوم لاعتراض موكب عبدالعزيز والدخول عليه في أي وقت، لأنه مطمئن لوقوفه عند حدود الله وعدم تهاونه في نصرة شرع الله، كما فعلت تلك المرأة الثقفية التي صرخت أمامه، يا عبدالعزيز.. قتل رجالنا في الطائف، ونهبت أموالنا في مكة. فكتب عبدالعزيز على الفور كعادته إلى القاضي: من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، إلى القاضي فلان آل فلان، أنا وكيل هذه المرأة شرعاً أمامك.
عدل جعل الرجل الذي اعترض طريق عبدالعزيز في الرياض متسائلاً: أين عدلك يا عبدالعزيز؟ يعترف بعد أن سمع عبدالعزيز مشكلته وقضى له بحقه في الحال: الآن تأكد لي عدلك يا عبدالعزيز، بساطة وسماحة وعدل وإنصاف. كما جعل تلك الفتاة الحسناء التي تجوب الصحراء، لا تخشى غير الله والذئب على غنمها، تجهر بالدعاء: الحمد لله، زمان النهب ذهب، وعهد الفتك رحل، فالبلاد مرهوبة والناس مطمئنة. وجعل رجلاً (يجهل عبدالعزيز) يعترف له أنه لا يحبه ولا يكرهه، لا يحبه لأنه منع السلب والنهب وحياة الغاب، ولا يكرهه لأنه جاء بالعافية والأمن والسلام و... و... وقصص كثيرة وحكايات لا تنقضي، تشهد لهذا القائد النادر الرجل الصالح عبدالعزيز آل سعود، بسماحة النفس ورجاحة العقل وصدق النية والعطف على الرعية وخشية الله في السر والعلن والثقة فيه والاستعانة به. ولهذا وفقه الله وسدد خطاه، وجعل البركة في عقبه. فها نحن اليوم نعيش في وطن طيب مبارك، في ظل قيادة حكيمة صادقة، تذكرنا في كل قراراتها وإجراءاتها، أن عبدالعزيز ما زال بيننا، وسوف تظل مبادئه وتوجيهاته تحكم سلوكنا وتوجه دفة مسيرتنا القاصدة إلى الأبد.
فاليوم، نعيش بحمد الله وتوفيقه، ثم بجهد عبدالعزيز وإخلاصه، لحمة وطنية فريدة، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز.. لحمة حفظت لنا بلادنا من كيد الحاقدين وشرور المتربصين، فأصبحنا في كل يوم نبني بلادنا ونطورها، فيما يهدم العالم من حولنا بيوته بأيديه، ويتشرذم ويتحزب شرقاً وغرباً، وتفتقر دول كانت تسبح في بحار من النفط، إلى مجرد شمعة تضيء بها طريقها لتعرف عدوها من صديقها. ليس هذا فحسب، بل تتبنى أعظم دولة في العالم، ومعها حتى الآن أكثر من أربعين دولة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، رؤية قائدنا عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله رعاه - في محاربة الإرهاب واجتثاث شأفته وتخليص العالم من مخالبه المسمومة التي لم ترحم صغيراً أو كبيراً، بعد أن هتكت الأعراض وسبت النساء وذبحت الناس كما تذبح الشاة.
وأصبحت بلادنا رقماً مهماً في حفظ أمن العالم وتحقيق خيره ورفاهيته، فلا عجب أن تتسابق جامعات العالم لمنح قائدنا عبدالله بن عبدالعزيز، شهادات الدكتوراة الفخرية في مختلف العلوم الإنسانية، مثلما تسابقت الدول لمنحه أرفع الأوسمة والنياشين، تقديراً لجهوده المشهودة في إرساء الأمن والسلام والعدل، ومحاربة الجوع والفقر والمرض.
وبعد: كتب سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي عهدنا الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مؤرخ الشيوخ وشيخ المؤرخين وشبيه عبدالعزيز خَلْقًا وخُلْقًا (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز) وكتب محدثكم اليوم (الجوانب الشخصية في حياة المؤسس.. الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود) و(شهادة للتاريخ.. مقتطفات مما قيل في سجايا الملك عبدالعزيز وعبقريته القيادية الفريدة الفذة).. وبالطبع سبقنا كثيرون في هذا الجانب، إذ كتب عبدالحميد الخطيب (الملك العادل) وكتب فؤاد مصطفى السابق (تاريخ أمة في حياة رجل) وكتب داكوبرت فون ميكوش (عبدالعزيز) وكتب عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري (لسراة الليل هتف الصباح) وكتب أحمد عبدالغفور عطار (صقر الجزيرة) وكتب كنيث وليمز (ابن سعود.. سيد نجد وملك الحجاز) وكتب عبدالمنعم الغلامي (الملك الراشد.. عبدالعزيز آل سعود) وكثيرون غيرهم يفوقون العد، تشرفوا بالكتابة عن عبدالعزيز آل سعود وحياته وكفاحه وتاريخه وشجاعته ومروءته وسماحة نفسه ووفائه وعدله، وحرصه على خدمة العقيدة وتحقيق خير البشرية، وما حباه الله من صفات قيادية فريدة، بل سوف نظل نكتب حتى ينفد مداد أقلامنا، وننظم الندوات ونلقي المحاضرات حتى يذهب صوتنا، دون أن نفي هذا الرجل العظيم حقه علينا.. فلندعو له في يوم الوطن هذا، ولنذكره في دعائنا كلما تضرعنا لخالقنا سبحانه وتعالى أن يجزل مثوبته ويعظم أجره ويكافئه عنا خيراً، ولنتعاهد جميعاً بالسير على دربه والتزام منهجه في خدمة عقيدتنا وحماية مقدساتنا وتنمية بلادنا وصيانة أمنها واستقرارها، والمحافظة على ريادتها بين الأمم.. وكل عام قيادتنا بخير، وبلادنا في عزة ومنعة، وشعبنا سابح في الخيرات والمسرات.