تفاقمت عندنا ظاهرة التستر على العمالة بأنواعها ومهنها وأصنافها كافة، في كنف الانتهازية الحادة، وأجواء المآرب النفعية الضيقة. لقد كبرت هذه الظاهرة، واتسعت وتشعبت، حتى صار لها أنياب وقرون ومخالب. فمن أجل المنافع الشخصية، وحفنة الريالات، تغيرت المواقف الوطنية، وبيعت في سوق المزايدات الرخيصة.
إن قبول الوافد للمبالغ المالية الضئيلة التي تدفع له نظير عمل غير فني ولا متقن، واستعداد المواطن للتواطؤ معه ضد الأنظمة والقوانين والتحذيرات، يُعد مؤشراً خطيراً، ما ينفك يثير الزوابع الاستفزازية ضد أمن الوطن والمجتمع. إن التباهي بكسر الأنظمة، والقفز فوق القوانين، ورجمها بالمنجنيق العتيق، يعد إزهاقاً فاضحاً للوطنية، وتردياً كبيراً في الانتماء الوطني. نتألم كثيراً على هذا المنزلق العملي، الذي انحدر إليه هؤلاء المتسترون، الذين ما انفكوا يثيرون الرياح القوية للعبث في الأنظمة المرسومة، والقوانين الصريحة، يدعمون التخريب، ويعملون به. إن المتسترين يعتبرون في نظري قوى شريرة، تنفِّذ أعمالاً تآمرية ضد وطننا، ومنحازين لأقطاب الشر، ويعملون في تكريس الفوضى وإشاعة اللامبالاة. إن هؤلاء لا يملكون رؤية ولا بُعد نظر ولا بصيرة، والحماقة عندهم كبيرة، ويتباهون بأعمالهم الفاسدة؛ وعلينا ألا نجعل لهم مكاناً بيننا؛ لأنهم لن يتوقفوا عن ارتكاب المخالفات حتى لو توقف كوكب الأرض عن الدوران. إن المتسترين والمهربين للعمالة يعدان قطبَيْ شر ورحى فساد، وعندهم ميول شبقية هائلة لامتلاك المال، تدفعهم للتهور والرعونة. إن هؤلاء المهربين والمتسترين تعساء في نومهم، وتعساء في يقظتهم، التصقت بهم التعاسة حتى أصبحت أكبر كوابيسهم الثقيلة المزعجة، مثلهم مثل خائن الأمانة، وقائل الكذب ومصدقه.. تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية، طعنوا الوطن في ظهره، ويحاولون بيعه بثمن بخس في أسواق النذالة الأخلاقية والسلوكية، وانحرفوا عن التعليمات الوطنية الثابتة، فكانوا أول الساقطين في بورصة المال الحرام.. طابور من المتخاذلين الذين فقدوا مروءتهم، وفضلوا التستر والتهريب على الأعمال النظامية والشريفة، ولم يكترثوا لتجاوزاتهم الصريحة والبائنة، بعيداً عن القيم والمبادئ. لقد أصبحنا نعيش بين مخرزين: مواطن عاق، ووافد لا يبالي. بين مخرزين أدميا قلوبنا على مدى عقود من الزمن، فلا بعض المواطنين يصونون الوطنية، وتهز ضمائرهم حقوق الوطن، ولا الوافدون يقدرون الأنظمة ويحترمونها. إن على هؤلاء المتسترين والمهربين أن يعودوا إلى رشدهم، وألا يخذلوا وطنهم، وألا يثيروا عليه الزوابع، وأن يقفوا صفاً واحداً معه أمام كل التحديات والمخاطر بعيداً عن شبق المال وطرقه وأساليبه الملتوية وأفعاله المقيتة.