عانت بلادنا منذ (35) سنة من المنابر السياسية والمذهبية والطائفية في مواسم الحج، وبدأت هذه المتاعب مع مجيء الثورة الدينية إلى إيران، وازدادت بعد الحرب العراقية الإيرانية عام 1979م؛ إذ تحولت بعض المواسم إلى مواجهات وشعارات وقلاقل، انعكست على روحانية الحج عبر رفع الشعارات السياسية التي أقحمت حالات التعبد بالمواقف السياسية.
يأتي الحج هذا العام والحرب على المنظمة الإرهابية داعش تدور على حدودنا الشمالية، والمواجهات الدامية في صنعاء على حدودنا الجنوبية، والعالم الإسلامي يموج وتعصف به المذهبية والآراء السياسية والمواقف الحزبية، إضافة إلى الثورات العربية التي لا تهدأ ولا تتوقف، فهناك ثورات تقوم على ثورات، وشعب يتحارب مع نفسه، كما هو الحال في ليبيا حرباً بلا سبب. أذن، هذا الموسم قد يكون عاصفاً بالتطورات والأحداث.
رغم الفتن والقلاقل التي واجهت المملكة طوال (35) سنة لم تتوقف مشروعات التطوير في الحرم المكي بمكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة من ترميم وتوسعة وعمارة وإنشاءات خدمية جديدة.. لم تكن عوامل الفتن والمواقف السياسية والمذهبية عاملاً لإيقاف مشروعات الأعمار، وهي أحد أهداف الجهات المعادية للمملكة من أجل إفشال الحج وإحراج المملكة، بل كانت واحدة من الدوافع والمحفزات؛ إذ تنبهت المملكة لهذه الغاية فجاءت التوسعة والإعمار لاستيعاب معظم دول وشرائح العالم الإسلامي، وإظهار الأغلبية العظمى أمام الأقلية التي تثير الفتن والقلاقل والتشويش على الحجاج الآمنين بشعارات سياسية، انعكست على بلدان مصدر الشعارات بالسلبية والتعرية.
نتمنى هذا العام ألا تستغل داعش ومن معها موسم حج هذا العام بعد أن هُزمت على الأرض في مواقعها الاستراتيجية ومقراتها العسكرية والاقتصادية، أن تستغل الوضع في إثارة أي تشويش بعد انكشاف هويتها الحقيقية وتحالفها ومن ممولها وحاضنها.
المحور الذي تدور به داعش قد يكون خافياً على الجميع، وبعد بدء الضربة العسكرية انكشفت جهات المصدر والممول والداعم، ويخشى أن تستغل داعش والقوى الداعمة لها هذا التجمع الإسلامي للدعاية لها وللمنظمات المتطرفة كما كان يعمل إعلام القاعدة في استغلال المناسبات الإسلامية والتجمعات بإرسال رسائله السياسية وأجندته. فكما نجحت أجهزتنا الأمنية والتخطيطية في محاصرة هذا الفكر أمنياً وثقافياً وإعلامياً، وإبطال الشغب والتخريب في مكة المكرمة وباقي مناطق المملكة، نتمنى الاستمرار ودحض النشاط الأمني والفكري لداعش في موسم حج هذا العام.