في حراك واضح وفعال تنشط القنوات التلفزيونية لتقديم برامج تواكب الأحداث السياسية والاقتصادية المتسارعة، المهني من هذه البرامج يحاول قدر الإمكان عرض كل وجهات النظر دون تحيز لأي طرف، ويتضح عدم الحياد في القنوات التي تنتمي لأطياف ومذاهب سياسية ودينية لها مآرب أخرى في المنطقة. كما ظهرت برامج في الفضاء الإعلامي سببت للمشاهد الشعور بالقيء والقرف نتيجة غلوها في الانحياز وتوجهها الملحوظ نحو الجانب الذي يدعمه مالك القناة أو ممولها، وقد أسهم بعضها في انحراف فكر المجتمع نحو نتيجة مغلوطة ومضللة.
الساحة السياسية الساخنة ولدت عددا من البرامج التي تحاكي معظمها طبقة معينة ذات تغلغل ودراية وعمق سياسي، لكن من وجهة نظري أن الأهم هو مخاطبة الجميع وفئة الشباب بالذات، حيث يمكن لهذه البرامج أن تؤدي دورا في توعية فكرهم وتنقيته مما قد يعلق به من محاولات المغرضين لأعداء الأوطان بثه كالسم في أفكارهم. لن أتطرق في مقالي هذا لبرامج التلفزيون السعودي بدافع رابطة الانتماء إليه، ولكونه يتحلى بالموضوعية والبعد عن الإثارة ويحرص على تحري الخبر، لكني سأمر بك عزيزي القارئ على عجالة ببرامج تستحق أن نقف عندها في فضائيات عربية.
«بانوراما» البرنامج الذي تقدمه الإعلامية القديرة منتهى الرمحي على قناة العربية يواكب الحدث، مستضيفا رموزاً فاعلة ومؤثرة وذات مصداقية في أغلب الحلقات التي تديرها الرمحي بطريقة هادئة وسرعة بديهة وتسلسل في طرح الأسئلة وتحضير مسبق يدل على ثقافتها ومهنيتها وشموليتها وتكاد لا تترك سؤالاً في نفس القارئ إلا وجعلته محور نقاش.
زينة يازجي، خالد مدخلي ووليد عبود والجنرال الياس حنا نماذج لأسماء حفرت عميقاً في ذاكرتنا التلفزيونية السياسية، وإننا إن تحدثنا هنا عن الإعلام اللبناني فإن ما يميزه الشفافية والصراحة ومساحة الحرية وجاذبية العرض في القنوات التي تسعى لكسب ثقة المشاهد وعدد أكبر من الجمهور، ويسوقني الحديث عن البرنامج الجديد لطوني خليفة الذي استقطبته إحدى القنوات مؤخراً، وقد تابعت حلقة يمكنها أن تكون نموذجاً لنمط البرامج المتنوعة التي تتطرق لجوانب حياة متعددة تمس المشاهد وتقدم له وجبة إعلامية شهية تستقطب كل الفئات العمرية والفكرية، بل تتعدى المشاهد المحلي لاستقطاب المشاهد العربي الذي يهمه على سبيل المثال معرفة حقيقة ما أثير عن التقنية الحديثة لجهاز الآيفون? وتجربة مباشرة مع الجهاز، ثم يشوقه استضافة البرنامج الصحافي البريطاني من أصل فلسطيني الذي رافق داعش وبث تقارير من قلب تنظيمه المنحرف، شهد قطع رؤوس ومحاكمات وتدريبات، وطرح أسئلة مباشرة ومحرجة أحياناً على الضيف الذي عاد سالماً من بين يدي عدو العالم داعش، وينتقل البرنامج إلى مسار آخر فرضه الشأن السياسي والاقتصادي في لبنان حيث منتحلي صفة المهن كظاهرة أشخاص لا علاقة لهم بطب الأسنان سواء من اللاجئين أو المواطنين يحملون حقائب بمعدات ملوثة ويتجولون على البيوت لتركيب جسور وأطقم أسنان لضحاياهم، إن استعراض مثل هذه الأمور المستفحلة في المجتمع تمكن المجتمع من مكافحة هذه الظواهر والسلوكيات وتضع القضية بين يدي المشاهد والمسؤول.
ما تركته ولم أشر إليه هنا فقرات احتواها البرنامج الذي لا يتعدى الساعة والتي تضيق بها المساحة، إلا إنني يمكن أن أقول: إن مثل هذه البرامج تحرك المجتمع وتحرك الراكد والمسكوت عنه كما تعرض الممارسات الخاطئة، هي برامج تلقي الضوء على المظلم من الأمور وعلى مراكز الخلل والتي قد يسارع المسؤول لسن حلول مباشرة خوفاً من الفضائح الإعلامية وسلطة الإعلام، وإن كانت في بعض الأحيان فيها من الإثارة المطلوبة كما حدث مع قصة مقطع اليوتيوب الذي عرضه طوني والذي يرعب فيه أحد الأشخاص طفل بطريقة داعشية ويقوم بضربه بطريقة لا إنسانية في حين يتوسله الطفل باكيا بحرقة ليتوقف، مثل هذه البرامج يواكب روح العصر ودهشة المشاهد بعيداً عن (الجعجعة) والصراخ وفكرة المذيع الضيف الذي يقوم ببرنامج هو المقدم والضيف والمحلل فيه. الله يعينك أيها المشاهد العربي الذي أنت ضحية لانحلال فضائي تمارسه بعض الفضائيات وبرامج الاتجاهات المعاكسة.
من أول البحر
لو...
لو أنها انتظرت عيون الشمس ما نام النهار
لو أنها تبعت فحيح الريح ما ضل الكلام
لكنها..
لما تدلى الورد من شرفاتها
قطفت براعم حلمها
وتنهد النوار من طيش الأنام
ضاع العبير وما انتشت
يئس الكلام من الكلام