أعادت الجهات المختصة بالإشراف على تنظيم دخول الحجاج لمكة المكرمة أكثر من 250 ألف فرد لا يحملون تصاريح حج، وتَمَّ إعادة واحتجاز أكثر من 70 ألف مركبة.
وبالرغم من أن الحملات التوعوية تبث منذ فترة طويلة بأنّه لن يكون هناك دخول لأيِّ شخص ينوي الحج إلا بتصريح، لكن الارقام التي أعلن عنها حول من تَمَّ إعادتهم من مداخل مكة تُعدُّ كبيرة، وتظهر أن التوعية لوحدها لا تكفي لمنع مثل هذه الظاهرة التي تُعدُّ سلبية لكونها تفقد من يحج من دون تصريح الكثير من الخدمات التي توفرها حملات الحجاج الذين يتم منحهم التصريح، مما يتسبب بازدحام اكبر، وظواهر كالافتراش بالطرقات، ويعرض حياة الحجاج للخطر، ويتسبب بارباكات لوسائل النقل وتفويج الحجاج والكثير من السلبيات التي يعلن عنها دائما.
وإذا كانت الجهات الرسمية التي تقع عليها مسئولية التأكَّد من تصاريح الحجاج ممثلة بالأمن العام، قد قامت بواجبها كما عودتنا في كلِّ عام، إلا أن المسئولية الحقيقية لمعالجة هذه الظاهرة تقع على عاتق وزارة الحج المسئولة عن تراخيص حملات الحج، ودراسات وأبحاث تتعلّق بالحج، وكل ما يساند تطوير الخدمات المقدمة فيه لضيوف الرحمن، ومعالجة أيّ ظواهر تُؤثِّر سلبًا عليه، وبذلك لا بُدَّ من قيامها بوضع خطط تعالج ظاهرة الحج من دون تصريح التي تتكرر كل عام. فبرنامج الوزارة للحج المخفض، يعد مشروعًا جيّدًا يفترض أن يقلص من الظاهرة، لكن الأرقام التي أعلن عنها هذا العام للعدد الكلي لتصاريح الحج المخفض التي وصلت إلى 41 ألف تصريح لا تُعدُّ مشجِّعة لكي تعالج المشكلة قياسًا بعدد من اعيدوا هذا العام، الذي بلغ أكثر من خمسة أضعاف من منحوا ترخيص لحملات الحج المخفض. واعتذرت الوزارة عن قلّة العدد بسبب حجم المساحة التي خصصت لهذا النوع من الحملات، فلا بُدَّ من زيادة أعداد التصاريح العام القادم لأكثر من ضعفين أو ثلاثة، مع القيام بحملة توعوية مناسبة للتعريف بالبرنامج، وكذلك ابتكار مشروعات أخرى تساعد على تخفيض تكاليف حملات الحج، التي باتت كلّّها تتراواح أسعارها مابين 7 إلى 14 الف ريال، وهي أرقام كبيرة ترهق الكثير من الناس، خصوصًا الذين ينوون الحج مع بعض أفراد أسرهم، فحملة الحج المخفض يتم التسجيل بها إلكترونيًا عبر موقع تابع للوزارة، مما يعني أن احتماليَّة معرفة الراغبين بالحج عبر هذا البرنامج تصبح ضعيفة. كما أن عدم وجود مكاتب تخدم البرنامج بكلِّ المدن يصبح اختيار الراغب بالحج المخفض صعبًا أيْضًا، وبذلك تصبح فائدته ضعيفة، فالتصريح لعدد 41 ألفًا من أصل 700 ألف تَمَّ منحهم تصاريح من حجاج الداخل، يعني أن الحج المخفض شمل نحو 5 بالمئة فقط ممن صرح لهم، وهو رقم صغير قياسًا بمن اعيدوا والذين يعادلون 35 بالمئة من حجاج الداخل.
فمن الأجدى على وزارة الحج، قيامها بأخذ معلومات من كل فرد تمَّت إعادته بسبب عدم حصوله على تصريح، لمعرفة الأسباب وأخذ احصاءات دقيقة منهم قبل إعادتهم، لأنه سيتبين لها الكثير من المعلومات التي تساعدها بمعالجة الظاهرة، مع نشر تلك المعلومات بعد فرزها، ومعرفة السبب المتكرر عند غالبيتهم الذي منعهم من الالتحاق بالحملات المرخصة.
المملكة تبذل جهودًا جبارة لخدمة الحجاج، وتتشرف بذلك، وانفقت مئات المليارات على مشروعات تطويرية بالمشاعر المقدسة، وتجند طاقات كبيرة سنويًّا لإنجاح موسم الحج، وفي كلِّ عام يتم تطوير أنظمة وبرامج ومشروعات ترفع من مستوى الخدمات، وتعالج أيّ ظواهر سلبية يتم رصدها. إلا أن ظاهرة الحج من دون تصريح تتكرر كل عام، وهي ما تحتاج لمجهود كبير من وزارة الحج بابتكار حلول نوعية لا تقف عند برنامج الحج المخفض، بل تدخل بما يسهم بخفض تكاليف الحملات الأخرى لتتقلص هذه الظاهرة إلى حد كبير، مما يسهل على باقي الجهات التي تخدم الحجيج بعملها، الذي سينعكس إيجابًا على الحجاج من الداخل والخارج.