كان لدى جماعة القاعدة المقاتلة في سوريا والعراق حضور قوي؛ لكنه لم يكن يأخذ صفة التوحّد في الخطاب ولا الحملة المستمرة المتواصلة التي لا تفتر؛ وبعد أن أسس الاستخبارات الباطنية تنظيم داعش وحُددت مهامه وغاياته القريبة والبعيدة؛ توجب الإفادة من خبرات القاعدة الإعلامية وإعادة صياغة خطاب إعلامي جديد يحقق أهداف التنظيم المعلنة والمخبوءة.
اختار التنظيم لإدارة إعلامه «أبا الأثير عمرو العبسي» الذي يدير مركز الفجر ومؤسسة الفرقان للإعلام وجيشاً من الكتّاب والمتابعين داخل جغرافيا التنظيم وفي الدول المجاورة، ووضع أبو الأثير أمامَ فريقه الأفكار الرئيسة ليخرج بلغة إعلام موحّدة، وفرض على «المجاهدين» و»الأنصار» فتح حساب أو أكثر في تويتر بأسمائهم الصريحة أو المنتحلة؛ فتكون جيش إعلامي من المقاتلين ومن الأنصار وأتباع الفكر الإرهابي اشتغل على التأكيد مرة إثر مرة وبصورة متواترة في جل المعرفات الداعشية بلغة إعلامية واحدة وكأن أمراً من زعيم عصابة داعش قد وجّه إليهم لتنفيذ بنوده؛ ويتلخص الخطاب الإعلامي الداعشي في هذه الأفكار الموحّدة:
- صرف الأنظار عن النظام السوري وأن قتاله يسير جداً وسيتم بعد تصفية الفصائل الثائرة على اختلاف اتجاهاتها.
- اتفاق جميع المعرفات على استخدام عبارتي «باقية» و»تتمدد» شعارين لداعش، وترويج مسمى «الدولة الإسلامية» ومصطلح « الخلافة» لتظل هذه العبارات حاضرة في أذهان المتابعين.
- التشدد في تقريع وملامة زعماء الفصائل التي تدّعي أنها جهادية وتجريمهم وإيقاع العقوبة القاسية على من يقع في أيدي داعش، وقد تم نحر وصلب والتمثيل بمن تسميهم النصرة الشرعيين فيها.
- المبالغة في إظهار قوة داعش ونشر صور غنائمها من الأسلحة والعتاد.
- نشر مبايعات زعماء القبائل السورية والعراقية للخليفة المزعوم التي تتم تحت التهديد والخوف من الإعدام.
- نشر ما تفتعله داعش من تصرفات تسعى بها إلى كسب العامة وهي تمثيليات مصورة لاستجلاب الأتباع ولاكتساب مصداقية مفقودة ولإضفاء لون من السلم والإصلاح والإنسانية على أدائها الإداري في المدن والقرى التي استولت عليها؛ كتوزيع الزكوات أو تنفيذ بعض الحدود، أو الحلقات الدينية في المساجد.
- المبالغة في تصوير ونشر حز الرقاب ونحرها والقذف بالضحايا في الآبار والأنهار، أو الإعدامات الجماعية بعد أن يحفر من قبضت عليهم داعش قبورهم بأيديهم نكاية في التعذيب والإذلال، والغاية من نشر مقاطع الفيديو على اليوتيوب وفي المعرفات الداعشية إثارة الرعب وقتل الروح المعنوية في نفوس من يقاوم التنظيم الإرهابي.
- خداع الشبان من صغار السن بتزيين الحياة في جنة داعش الموهومة وأنهم سعداء آمنون مطمئنون يعيشون في رغد وحبور وتآلف، والغاية من بث هذه الأوهام خداع حدثاء الأسنان المندفعين للاستعانة بهم في تنفيذ أجندات داعش.
- الدعوة الملحة إلى ما تسميه معرفات داعش بالهجرة، والترغيب فيها.
- بث الدعايات المسيئة المضادة عن دول الجوار وأنها أنظمة كافرة أو مرتدة، والدعوة إلى قتالها وتهيئة الشبان فيها إلى الانضمام إلى داعش للقيام بمهمة غزو تلك الدول، ومن ذلك الإلحاح الواضح من معرفات الدواعش على استهداف المملكة بالعداء وتأليب الجهلاء والموتورين على الافتراء على بلادنا بالأكاذيب واختلاق ما يفرّق ويثير الضغائن زورا وبهتانا.
- تزييف معرفات بأسماء سعودية وكأنها تكتب من داخل المملكة؛ بينما هي لعراقيين أو سوريين أو لبنانيين أو أتراك علويين يتحدثون العربية ويدّعون أنهم من بلادنا ويجتهدون في انتحال اللهجة السعودية.
- تصوير انتصارات داعش المؤقتة التي هيأتها لها الاستخبارات السورية والعراقية بأنها مسيرة مستمرة لا يمكن أن تقف أمامها أية دولة، ونشر خارطة للعالم تظهر طموحاتها لإقامة ما تزعم أنها خلافة؛ والهدف تأجيج العواطف الدينية وكسب الأنصار وإضفاء المشروعية على ما ترتكبه من جرائم وأنها «جهاد» مشروع لتحقيق حلم الإمبراطورية الإسلامية القادمة كما يدّعي التنظيم الباطني الاستخباراتي.