ثمنوا الدور الذي تقوم به الجهات المختصة بالحجيج .. مختصون يرصدون:

مخالفات وسلبيات يقع فيها بعض الحجاج لعدم الوعي بالمناسك

الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:

رصد عدد من المختصين والأكاديميين الشرعيين والدعاة بعض الأخطاء والسلبيات التي يقع فيها بعض الحجاج من المزاحمة والضجر وعدم الصبر والاحتكاكات , والضيق والتفوه ببعض الكلمات المخالفة، والإهمال في الحفاظ على النظافة وعدم التقيد بالأنظمة والإرشادات والتعليمات في الحج ، وقالوا إن هذه المخالفات مرجعها قلة الوعي والجهل وعدم معرفة المناسك وطريقة أدائها بشكل صحيح , وطالبوا بدورات تدريبية وتأهيل من يعملون في الحج وتدريبهم على التعامل مع الحشود، كذلك تكثيف الحملات التوعوية والإرشادية.

حسن الخلق

بداية يؤكد الدكتور إبراهيم بن صالح بن عبد الله الحميضي، الاستاذ المشارك في جامعة القصيم، أن حسن الخلق وطيب التعامل وأدب النفس أخلاق نبيلة لها مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في دين الإسلام، ناقلاً عن ابن القيم قوله: «الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين».

وأوضح الدكتور الحميضي أن نصوصاً كثيرة وردت في الكتاب والسنة مبينةً فضل حسن الخلق، ومرغبة في مكارم الأخلاق والآداب، ومثنيةً على المتحلين بمحاسن الآداب، وزاجرةً عن الاتصاف بمساويها. يقول الله تعالى مثنياً على خير خلقه وخاتم رسله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم. كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن البر الذي هو كلمة جامعة لأفعال الخير وخصال المعروف هو حسن الخلق، فقال: «البر حسن الخلق» ، وأن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم - رضي الله عنهم - ضربوا أروع الأمثال في حسن الخلق وطيب المعشر وسلامة الصدر ورحابة النفس وجود اليد، حتى إن الإنسان لا يملك عينيه وهو يتصفح سيرهم العطرة.

وقال د. الحميضي: من المواطن التي يتأكد الالتزام بالخُلق والأدب فيها مناسك الحج والعمرة؛ فإن هذه المناسك الشريفة يحصل فيها من الزِحام، والتعب، والتنقُّل، واختلاط الناس، واختلاف بلدانهم وأجناسهم وأعمارهم وطبائعهم مما يدعو بعضَ الناس إلى الضّجر والغضب وتغيّر النفس وسوء الأدب ومخالفة النظام. ولا شك أن هذا خطأ كبير وخلل عظيم في أداء هذه المناسك الشريفة؛ فإن من مقاصد الحج الكبرى اجتماع المسلمين وتآلفهم وتعاونهم وإظهار عزتهم وقوتهم ولُحمتهم، فسوء الأدب بكل صوره يناقض هذا المقصدَ العظيم ، وأنه ينبغي على الحاج أن يحرص أشدَّ الحرص على التحَلِّي بالأخلاق الفاضلة من الصبر والحلم والرفق، والكرم، والحياء، والتواضع، والإحسان إلى الناس، وغض البصر، وكف الأذى، والأمانة والصدق، والرحمة، وطلاقة الوجه وطيب الكلام، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير.

المصالح الشخصية

وحول الصفات المذمومة والسلوكيات الخاطئة التي ينبغي أن يتخلى عنها الحاج نبه الدكتور صالح بن فريح البهلال، أستاذ الحديث المشارك في كلية التربية بالزلفي ، إلى خطورة أن يكون تفكير الإنسان وعمله محصوراً في أغراضه الخاصة، ومصالحه الشخصية، فلا يفكر في الآخرين، ولا يعنيه ألمهم، ولا تشغله حاجتهم، يدور مع منافعه حيث دارت؛ فإن كان ثَمَّ منفعة أقبل تكسوه اللباقة والسماحة والظرافة، وإن لم يكن ثَمَّ منفعة رأيته سمْج الأخلاق، غليظ الجانب، لا يعرج على أحد، ولا يعترف إلا بنفسه. أن هذه أنانية، والأنانية كلمة مولَّدة، ويقصد بها الأثرة، وهي ولا شك صفة مذمومة، وخصلة مرذولة، وداء عضال، وبلاء قتال، ولا يسلم منها إلا من سلمه الله؛ فإن النفس مجبولة على حب التفرد والاستحواذ، وإن لهذه الصفة المذمومة حضوراً في الحجاج والمعتمرين، ومن مظاهرها فيهم مزاحمة الآخرين عند أداء بعض المناسك كتقبيل الحجر، ورمي الجمار، والوقوف بالملتزم، فتجد من الحجاج من لا يراعي كثافة الناس، ولا يحترم أخوتهم. همه أن ينتهي من النسك هو ومن معه بأي طريق، ولو على حساب أذية المسلمين، فيريد نفعاً فيضر من غير قصد، وأذية المسلمين محرمة، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، والضرر يزال، وحكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن.

يؤكد د. البهلال: إن التريث والأناة واستشعار أخوة المسلم يجعل المسلم يعامل أخاه باللطف والرحمة، ويجعله يترك بعض السنن إذا غلب على ظنه أن في تطبيقها أذى لمسلم، كما يترك مثلاً الاعتداء على الآخرين عند أخذ وجبة الطعام؛ فبعض المحسنين يمن الله عليه، فيقوم بتوفير طعام الحاج، فإذا جاء توزيعها تقاتل بعض الحاج عليها وتكالبوا، والأولى بالمسلم أن يغلب في هذا المقام جانب الإيثار؛ فقد أثنى الله على صحابة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر.

دين نظام

أما ما يجب على الحجاج وهم يؤدون أعظم فريضة من فرائض الإسلام وهي الحج، فقد ذكر الدكتور أحمد بن نايف المورعي، الاستاذ المشارك بجامعة أم القرى عدداً من النصائح، وهي:

أولاً: التقيد بالأنظمة والتعليمات.. حيث إن عدد الحجاج الذين يقدمون إلى هذا البلد الحرام كبير جداً، ولذلك كان من الواجب وضع أنظمة وقوانين يسيرون عليها أثناء أداء مناسكهم تساعد الحجيج في أداء المناسك بيسر وسلامة، حتى لا تقع الفوضى التي قد تودي بحياة الكثيرين منهم. والإسلام دين نظام يحض على أن يكون العمل منظماً ومستقيماً؛ لأن النظام عنوان حضارة وتقدم للأمم فيجب على الحاج أن يحرص أشد الحرص أن يكون قدوة لغيره، وأن يبقى منضبطاً بالنظام والطاعة وحسن الجوار والكلمة الطيبة والسيطرة على الأعصاب في الحر والزحام الشديد، كل هذا يلتزم به المسلم في الحج حتى يعود إلى وطنه.

ثانياً: عدم استغلال الحج لأغراض سياسية أو شعارات وطنية.. إن الحاج ضيف على الله في رحلته، ومن حق الله على ضيفه أن تحترم حقوقه وتؤدي واجباته وألا يخالف أمره - عز وجل - ومن هنا فمناسك الحج والعمرة ما شرعت إلا لذكر الله وحده. فالهتاف بالشعارات لأي مخلوق لا مجال له في هذا البلد الحرام والشهر الحرام والمشاعر العظام؛ لأن ذلك مخالف لما شرعه الله في هذه الأماكن.

ثالثاً: استشعار هيبة الأماكن المقدسة.. حيث إنه يجب على الحاج وهو قادم إلى هذه البلاد الطاهرة أن يستشعر عظمتها وأن لها من الخصوصية ما ليس لغيرها. فالله سبحانه وتعالى شرفها وعظمها واختارها لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وجعلها مناسك لعباده وأوجب عليهم الإتيان من كل فج عميق، خاشعين متذللين كاشفي رؤوسهم متجردين عن لباس أهل الدنيا، وجعل بلده الحرام حرماً آمناً لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يسفك فيها دم، وجعل قصده مكفراً لما سلف من الذنوب ماحياً للأوزار.

قناعات خاطئة

من جانبه يعزو الشيخ سليمان بن حسين الطريفي، الداعية في مركز الدعوة والإرشاد بحائل، سلوكيات بعض الحجاج الخاطئة أو غيرهم من البشر إلى أمرين مهمين في التكوين الشخصي لكل إنسان.

الأول: القناعات الخاطئة ومستوى المعرفة المتدني، والثاني: العاطفة غير المنضبطة التي تدفع إلى ردود فعل تجاه البيئة المحيطة بالشخص. وقال فضيلته: إن القادمين للتجمعات الكبيرة يعتمد سلوكهم على البناء النفسي وثيق الصلة بهاتين القضيتين المهمتين.

ويرى الشيخ سليمان الطريفي أن العلاج لهذه الظواهر إنما يكون عبر الأمور التالية:

الأمر الأول: رفع مستوى الوعي بالمناسك وبالسلوك السليم تجاه البيئات المزدحمة، الذي يضمن سلامة الشخص نفسه وسلامة غيره.

الأمر الثاني: بناء عاطفة جيدة تجاه الآخرين عموماً، خصوصاً تجاه المؤمنين من خلال نشر مفهوم أن المؤمن الحق هو الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

الأمر الثالث: وقد يكون متداخلاً بعض الشيء مع الثاني: التعظيم والترهيب من الاعتداء على الآخرين في أبدانهم وأموالهم وعواطفهم أيضاً، وأن الإنسان محاسب قانوناً وديانة في الآخرة.

نشر الوعي

وعن أهمية نشر الوعي بين الحجاج قالت الدكتورة الجوهرة المبارك، عضو هيئة تدريس بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن: تشهد البقاع المقدسة تجمعاً عظيماً من مختلف بقاع العالم، ولاشك أن إدارتهم والعناية بهم ليست بالأمر الهين، ولابد من نشر الوعي بينهم عن طريق سفارتهم قبل قدومهم علينا، فيتلقون دورات فقهية عن الحج وسلوكياته وفي كيفية التعامل مع المسلمين لتتحقق مقاصد الحج. وتتمنى الدكتورة الجوهرة أن لا يعطى أحد ترخيص الحج حتى يثبت اجتيازه لهذه الدورات. وأن من ضمن هذه الدورات معرفة أنظمة بلاد الحرمين ومبادئها للمحافظة على أمن الحجاج وسلامتهم.

وضربت الدكتورة الجوهرة مثالاً على السلوكيات المطلوبة وهو: المحافظة على نظافة البقاع المقدسة. فلو تم تنظيف الأماكن بالشكل اللائق للمسلمين ووضعت كاميرات مراقبة وحاويات للمخلفات في كل مكان وحددت مبالغ ولو رمزية لمن يلقي النفايات لتغيرت الأحوال. وازداد الوعي وتضافرت الجهود ليطبق المسلمون تعاليم دينهم فعلاً لا قولاً. ويحققوا مقاصد الحج العظيمة التي منها: لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى.