كشف تقرير عن أهم أربعة عوامل مشتركة لصياغة السياسات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكِّدًا على أهمية التوطين، وتحسين المنظومة التعليميَّة والتنويع الاقتصادي، وتعزيز المكانة العالميَّة، والاستقرار، وذلك بوصفها العوامل الرئيسة التي يتوجب على الحكومات والشركات في المنطقة التركيز عليها لضمان نمو الاقتصاديات الخليجيَّة في المستقبل.
وحسب التقرير الذي أصدرته «إرنست ويونغ EY» حول «محفزات النمو» الاقتصادي، قال جيرارد غالاغر، الشريك المسؤول عن الخدمات الاستشارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في (EY): «في ظلِّ التحدِّيات التي تواجهها الأسواق المتقدِّمة والناشئة في الاقتصاد العالمي للحفاظ على نموِّ قوي، تشهد الشركات طلبًا قويًّا ومتناميًا في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. وتستثمر الحكومات الإقليميَّة عائدات النفط والغاز لتطوير قطاعات أخرى وإرساء الأسس السليمة لبناء الاقتصاد القائم على المعرفة. وبالرغم من ذلك، لا تزال الشركات العاملة في المنطقة تواجه التحدِّيات التي تفرضها الأنظمة والقوانين، وصعوبة توظيف المواهب المواطنة والمحافظة عليها. وتشكّل هذه العقبات التي تحوَّل دون الاستفادة من الإمكانات المتاحة على أفضل وجه ممكن، مصدر قلق بالنسبة للشركات العالميَّة فيما يتعلّق باستدامة عملياتها في دول مجلس التعاون الخليجي».
التوطين ضرورة إستراتيجية ملحة
يشكل مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي حاليًّا نسبة قليلة جدًا من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص، تتراوح بين 1 في المئة في كلِّ من قطر والإمارات العربيَّة المتحدة، و18 في المئة في المملكة العربيَّة السعوديَّة. وتتباين هيمنة المغتربين الأجانب على مشهد الأعمال مع تزايد معدلات البطالة لدى الشباب، وتختلف معدلات البطالة في المنطقة بشكل كبير، إلا أن معدلات البطالة لدى النساء ترتفع عن مثيلاتها بين الرجال بنسبة تتراوح بين 5 إلى 7 أضعاف في مختلف دول المنطقة.
وفي هذا السياق، قال ويل كوبر، شريك في قسم الخدمات الاستشارية في EY: «يُعدُّ إصلاح الأنظمة التعليميَّة أمرًا مهمًا للغاية، إِذْ يعد تحسين أنظمة ونتائج تعليم وتدريب المواطنين عاملاً أساسيًّا لبناء قوة عمل مواطنة منتجة. ويجب التركيز على تطوير المهارات الضرورية للمواطنين الشباب وتشجيعهم على التفكير بعقلية تجاريَّة بينما ينتقلون من مرحلة التَّعليم إلى مرحلة العمل. وهذه دعوة صريحة لتطوير قنوات اتِّصال أفضل بين أصحاب العمل ومؤسسات التَّعليم والتدريب الباحثين عن وظائف وصناع السياسات ذات الصلة».
وتبدي حكومات الدول الخليجيَّة اهتمامًا متزايدًا بدور ريادة الأعمال وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة كحلٍّ لمشكلة البطالة بين الشباب وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. ويُعدُّ هذا الأمر في غاية الأَهمِّيّة وخصوصًا أن معظم الوظائف الجديدة لا تأتي من شركات كبيرة موجودة في السوق، بل من الشركات الصغيرة. والوقت الآن مناسب جدًا لوضع برامج منسقة على مستوى وطني للمساهمة في تعزيز ودعم رواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويجب على الوزارات الحكوميَّة ومؤسسات ريادة الأعمال والمستثمرين العمل سويًّا لتحقيق تأثير أكبر، وخصوصًا في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي التي تزخر بإمكانات كبيرة وواعدة على مستوى التعاون.
تجاوز الاعتماد على القطاعات النفطية
تعد إدارة المخاطر المترتبة على الاعتماد الواسع على القطاعات النفطية من أبرز التحدِّيات التي تواجهها المنطقة، إلا أن التقدم الذي تَمَّ إحرازه في تقليل الاعتماد على النفط في دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال متباينًا.
وفي هذا الصدد، قال مايكل حاصباني، شريك في قسم الخدمات الاستشارية في EY: «قامت جميع دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير إستراتيجيات طويلة الأجل بالاعتماد على عناصر مختلفة من التنويع الاقتصادي العمودي والأفقي. إلا أن دول المنطقة لا تزال بحاجة إلى التنسيق فيما بينها في التنويع للاستفادة من نقاط قوة كلٍ منها وزيادة قوة اقتصاد دول المجلس وجاذبيته. وسيُؤدِّي زيادة التنسيق بين دول المجلس إلى تعزيز كفاءتها والحد من ازدواجية الأنشطة الاقتصاديَّة».
هذا وتسهم القطاعات الواعدة في المنطقة - مثل المعادن والطيران والتجارة البحريَّة والسياحة والخدمات الماليَّة - في تمهيد الطريق لمزيد من التنويع في مصادر العائدات. ويتوجب على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي دعم القطاعات الجديدة، وإنشاء صناعات تنافسية مبتكرة لتحقيق أهدافها فيما يتعلّق بالتنويع الاقتصادي.
استقرار دول مجلس التعاون الخليجي يجذب الكفاءات العالميَّة
شهدت الأَهمِّيّة الاقتصاديَّة العالميَّة لدول مجلس التعاون الخليجي نموًّا سريعًا خلال العقد الماضي، مع تضاعف حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 2.2 في المئة. وتبرز دول الخليج حاليًّا كنموذج اقتصادي عالمي - إِذْ تشتهر القوى العاملة في هذه الدول بتنوعها الدولي، وقد أسهم موقعها الإستراتيجي في جذب شركاء تجاريين واستثمارين جدد، مع تنامي مكانتهم كمستثمرين عالميين. ومع ذلك، تواجه دول الخليج تحدِّيات صعبة وحساسة للغاية للحفاظ على استقرارها الاقتصادي، ولا سيما التَّحدِّي الاجتماعي المتمثل في ضمان حصول المواطنين على مستويات جيدة من التَّعليم والرِّعاية الصحيَّة والإسكان.
وفي هذا الجانب، قال ستيفن فاريل، شريك في قسم الخدمات الاستشارية في EY: «يتضح من خلال النمو السكاني السريع في منطقة الخليج أن القطاع العام يواجه تحدِّيات جمَّة لتلبية احتياجات السكان. ولتحقيق وعود سياسات التنويع والتوطين مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، يجب أن تواصل حكومات دول الخليج تنفيذ برامج إصلاح مدارسها وجامعاتها، وتطوير كفاءاتها مع الحفاظ على هويتها الثقافية.
ومن المتوقع أيْضًا أن يلعب القطاع الخاص دورًا رئيسًا في معالجة أزمة السكن، وتوفير خدمات رعاية صحيَّة أفضل، وخلق المزيد من فرص العمل المتنوعة للمواطنين والوافدين الأجانب على حد سواء».
ويكمن نجاح دول مجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل، في جذب العالم إلى المنطقة، مع التركيز على استقطاب الكفاءات العالميَّة للمشاركة في بناء المستقبل الاقتصادي طويل الأجل لأسواق الخليج والرغبة والقدرة على تحفيز ورعاية الشباب في المنطقة.
واختتم جيرارد بالقول: «الفرصة في منطقة الخليج كبيرة، لكنها محكومة بعامل الوقت، والآن هو الوقت المناسب للاستفادة من جاذبية المنطقة قصيرة الأجل، لتصبح منطقة جذب عالميَّة طويلة الأجل. ولا شكَّ أن الارتقاء بالمكانة العالميَّة لدول مجلس الخليج، من خلال بناء علامات تجاريَّة للدول، وتحسين البيئات التنظيمية مع الحفاظ على مستويات الأمان والرضا بين مواطنيها خلال فترة من النمو الاقتصادي والتغيير الاجتماعي، سيُؤدِّي إلى نقل نجاحاتها الحالية إلى مرحلة جديدة».