الأشهر ليس الأفضل دائماً

يشيع بين عازفي الكمان أن نوعية معينة من الكمان (تصنعها شركة اسمها ستراديفارياس) هي الأفضل وأن موسيقاها هي الأحسن في الأسماع، وكم صُدِم مجتمع الكمان بدراسة عُمِلَت عام 2011م لما أعطى الباحثون 21 عازفاً محترفاً عدة كمانات ليجربوها وذلك بعد إخفاء مظهرها حتى لا يعلموا نوعيتها، وبعد أن جربوها كلها اختاروا أفضلها وأسوأها، ولما كُشِف نوعياتها لهم كانت المفاجأة أن أسوأ كمان كان هو نوع ستراديفارياس الذي يعشقه العازفون!

هذه من المواضيع التي لا تنتبه لها البديهة، ذلك أن أشهر الأشياء ليست بالضرورة أفضل الأشياء، وخذ مثالاً آخر: أشهر مشروب غازي في العالم (أحمر اللون) يحبه الكثيرون، وهذا المشروب له منافس شهير ذو لون أحمر وأزرق (هنا سنسميه الثاني)، ويتصارع هذان العملاقان للاستحواذ على سوق المشروبات الغازية في كل بقعة من بقاع العالم، وفي أمريكا فإن الأول (أي الأحمر) هو الأكثر شعبية، ويعشقه الناس هناك أكثر من الآخر، لدرجة أن البعض إذا دخل مطعماً وعرف أن مشروبه المفضل غير موجود وأنهم يقدمون المشروب الآخر كان هذا سبباً كافياً لأن يخرج فوراً! لكن الثاني أقام تحدياً شهيراً وضع عليه اسم الشركة (تحدي بـ.....، ولا أريد وضع الأسماء لكي لا تكون دعاية لهما)، وفكرة هذا التحدي الذي أقيم في الأسواق وأماكن عامة هي أن يطلب منك مندوب الشركة أن تجلس وتجرب مشروبين ولا تعرف ما هما، فكل واحد منهما في كأس، فتشرب الأول ثم الثاني، وما عليك إلا أن تقول أيهما ألذ، والمفاجأة الكبرى أن عشاق المشروب الأحمر لما ذاقوا الكأسين قالوا إن المشروب الآخر هو الألذ! لما أخبروهم دهشوا، لكن هذه قوة الدعاية، فيمكنها أن تُحسّن في عينك القبيح وتُقبِّح الحسن، وأظهر هذا للكثيرين أنه ليس أشهر شيء هو الأفضل بالضرورة.

لكن هذه ليست معلومة مشهورة لدى الناس، والكثير من الشركات تعرف هذا وتلعب على هذا الوتر، لذلك لا تستغربوا من كثرة وكثافة الدعايات لبعض المنتجات حتى لو لم يكن في الدعاية أي شيء إلا اسم الشركة وشعارها أو اسم المنتَج، فهذا يكفي لإيهام الناس أن هذه السلعة ممتازة ومعروفة، لأن الاثنين -أي الشهرة والجودة- مرتبطان في عقول كل الناس تقريباً رغم خطأ الفكرة، ولهذا يَحسُن الحذر من استخدام الشهرة كمعيار أساسي (والأسوأ أن يكون المعيار الوحيد) إذا ما أتى وقت الشراء أو المفاضلة بين السلع.