داعش وأيبولا، متعاصران، كلاهما نشأ في فترة واحدة، إن لم يكن في يوم واحد، ولم يعرف لهما أب أو أم، وتكاثرا بسرعة كبيرة، وباغتا العالم بقدرتهما التدميرية، وكلاهما يخشاه العالم، لأن له قدرة على التوالد في جميع أنحاء العالم لو سمح له بالمرور عبر الحدود، وكلاهما يتعرض لمقاومة من قِبل الدول التي نشأ بها، وكذلك الدول التي تخشى توسعه ووصوله إليها، ولهذا فقد قام تحالف دولي لمحاربة داعش شارك فيه عدد من الدول، فاعدوا العدة واتفق على التمويل وأرسلت الطائرات والمعدات، كما أرسل الخبراء إلى إقليم تركستان العراقي، ووضعوا الخطط لحماية الإقليم أولاً وقبل كل شيء، وتجهيزه بالأسلحة، وتدريب جنده، ومن ثم شن الهجمات على داعش لعلها تحمل بين ثناياها ما يوقف توسع هذا السرطان العبثي، وإن كانت الغاية منصبة أولاً على الإقليم التركستاني ليكون مركزاً وقاعدة دائمة في المستقبل، وأكبر مما هو قائم الآن، فهو نواة لأمر ما ربما أنه قضي بليل.
أما أيبولا، فقد جنّد لها الأطباء، وذهب الممرضون والممرضات إلى هناك، للمعالجة أولاًَ، ومنع انتشاره ثانياً من خلال وضع الخطط اللازمة لذلك، مثل عزل قرى بحالها والرفع بالكثير من الأدوية والمعدات، وهي أدوات القتال اللازمة لمحاربة أيبولا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أرسلت عدداً من قواتها المسلحة المتخصصة لمحاربة ذلك المرض قبل وصوله إليها، وإلى سائر العالم، ومع ذلك فقد وصلت طلائعه من خلال أحد الممرضين الذين ساهموا مشكورين بالذهاب إلى هناك لمحاربته، كما أن العالم من خلال الأمم المتحدة، والمؤسسات العالمية الأخرى قد قامت بحث الدول على التضامن في محاربته، وكذلك جمع المال اللازم لذلك.
الحروب تورث الخراب والدمار وقتل الأبرياء، وغير الأبرياء دون تمييز، ومع هذا فإنها توجد بيئة خصبة لبعض المنتفعين، وهكذا انتفع من حرب داعش دول وشركات أسلحة، ووسطاء خارجيين وداخليين، كما أن دولاً في المنطقة استفادت من هذه الحرب، من خلال إضعاف دول أخرى، واستنزاف خيراتها ومواردها، وإشغالها بنفسها، في الوقت الذي حصنت نفسها وما زالت بالتقنية العالمية وصناعة الأسلحة، وحماية الأخرى لها.
وفي الجانب الآخر، استفادت الكثير من شركات الأدوية، ومصنعي المطهرات من تلك المصائب التي أحدثها وباء أيبولا، وكذلك العديد من شركات الخدمات، وعدد غير قليل من المساهمين في محاربة هذا المرض الفتاك.
إن الظروف الاجتماعية التي أدت إلى نشأة داعش واتساع انتشارها تماثل تلك الظروف المناخية التي بزغ فيها وباء أيبولا، وكذلك ساعدت تلك الظروف على انتشاره، لعل هناك عامل مشترك، وهو عدم إدراك الضحايا ومن حولهم يعمل كل ما يحميهم من شر هذه الأوبئة البشرية والميكروبية، فهم في الغالب ينساقون وراء عادات موروثة، في حياتهم اليومية غير الجادة، كما هو الحال في موطن أيبولا، أو أنهم قد أجروا عقولهم لغيرهم كما هو الحال عند أولئك الأعضاء في دولة داعش المزعومة، وبينما هم يقتلون نجد أن من يدفعهم إلى ذلك يعيشون في رغد من العيش بين ذويهم.
في الوقت ذاته فإن الناس يموتون وهذا الوباء المعدي يتبختر في أجسادهم لا يحمل بين ثناياه رحمة، ولا تمنعه حكمة، ولا يوقفه سوى حرب شعواء عليه، بسلاح التحصين والأدوية، أما داعش فإن الحرب عليها تتم بالعتاد والرجال والتخطيط، بينما يمكن التحصين منها من خلال مزيد من الثقافة وليس العلم فقط، فما للعلم من معنى إذا لم يؤد إلى العمل السليم القائم على السلام والمحبة ونبذ العنف وحسن التعامل، والاجتهاد في العمل والتوافق مع الغير، ونشر العدل ثم العدل ثم العدل.
إنها الثقافة فقط التي يمكن من خلالها الالتفات إلى العمل وترك الحروب والأحقاد، وهذا لا يتم من خلال شهادات أو حفظ بضع كلمات، وتنميق الكلام، وذرابة اللسان، وشيء من البيان.
حمانا الله من داعش وأيبولا وغيرها من المصائب والأوبئة.