بعد أن قدرت دراسة غربية أن الأوقاف تفقد سنويا ايرادات بـ 2.5 مليار دولار بسبب ضعف إدارتها
تعود جذور نظام الأوقاف إلى أكثر من ألف عام أو إلى فجر الإسلام. ومع تزايد عدد سكان الشرق الأوسط وانتعاش صناعة النفط بمنطقة الخليج في العقود الماضية تراكمت لدى هيئات الأوقاف أصول ضخمة تنوعت بين العقارات والحيازات النقدية والأسهم وحتى الكتب القيمة.
ويرى محللون أن إدارة أصول الأوقاف لم تنجح في تحقيق نمو مستدام في القطاع إذ غالبا ما تكون أصوله على شكل عقارات أو ودائع بنكية تدر إيرادات شديدة الانخفاض أ لا تحقق إيرادا على الإطلاق. وهذا يشكل تكلفة اقتصادية ضخمة في منطقة تكافح لتعزيز نمو القطاع الخاص .وهناك اتجاه الآن لتطبيق أدوات الإدارة الحديثة على الأوقاف. وإذا نجح ذلك في زيادة إيراداتها فسوف تستفيد اقتصادات الشرق الأوسط وأسواقه المالية.
قال رئيس هيئة للأوقاف في دبي إن الإمارة تجري محادثات مع مؤسسات أوقاف إسلامية في بلاد منها جنوب أفريقيا ونيوزيلندا لدعم جهودها لتطوير هذا القطاع بما يرفع كفاءته ويجعله يستهدف الربح.
وتتلقى مؤسسات الأوقاف الإسلامية تبرعات المسلمين في أنحاء العالم لتشغيل مشاريع اجتماعية كالمدارس وبرامج الرفاه الاجتماعي. وتضم الثروة الوقفية حيازات طائلة من العقارات والمؤسسات التجارية والنقد والأسهم وأصولا أخرىو تقدر حكومة دبي إنها تبلغ تريليون دولار عالميا.
لكن طريقة إدارة هذه الأصول لا تزال بدائية في الغالب. ويتم حبس أموال الوقف في عقارات أو ودائع بنكية تدر أرباحا طفيفة وأحيانا تكون بلا ربح ما يمثل تكلفة على الاقتصادات الوطنية. وتسعى دبي للتوسع في دعم عدة قطاعات تجارية متوافقة مع الشريعة وأن تصبح مركزا لتحديث الأوقاف وتنسيق أنشطتها بما يحقق لها نجاحا أكبر من الوجهة المالية.
وقال طيب عبد الرحمن الريس الأمين العام لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصر في دبي متحدثا عن قطاع الأوقاف عالميا «هناك فاقد كبير.. لا يتم الانتفاع (بهذه الأصول) بالشكل الصحيح.» وكانت قد كشفت لـ «الجزيرة» مصادر مصرفية في وقت سابق أن المستثمرين المسلمين, بسبب خلفيتهم الثقافية, يميلون للاستثمار بالقطاع العقاري، الأمر الذي انعكس على تحول 70- 80 من أصول أوقافهم إلى أصول طويلة الأجل لا يمكن تسيلها بسهولة. ولم يتعلم هؤلاء المستثمرون من انهيار السوق العقارية الخليجية في عام 2008. والذي نتج عنه إيرادات عقارية غير ثابته.
وقال الريس في مقابلة مع «رويترز» في مكتبه إن مؤسسته على تواصل مع هيئات وقفية في إمارة الشارقة وبلاد منها البحرين وجنوب أفريقيا ونيوزيلندا لمناقشة سبل تحديث القطاع.
فاقد الـ 2.5 مليار دولار
وترى شركة ارنست اند يونج للاستشارات أن تعديلات أساسية على أساليب إدارة الأوقاف قد تزيد ريعها بما بين نقطة ونقطتين مئويتين على مستوى العالم. ويقول أشار نظيم رئيس خدمات التمويل الإسلامي بالشركة إن هذا قد يدر إيرادات إضافية على أصول الأوقاف تصل إلى 2.5 مليار دولار لصالح المؤسسات المالية الإسلامية سنويا.
وتابع نظيم «الأوقاف يمكن أن تصبح مصدرا للالتزامات طويلة الأجل التي يحتاجها القطاع بشدة.» وتقدر شركة صفا للخدمات الاستثمارية وهي مشروع مشترك سويسري سعودي أصول الوقف في السعودية وحدها بين 100 مليار و250 مليار دولار. ولا تتوافر الكثير من البيانات عن مدى انخفاض إيرادات الأوقاف عن الأموال التي تدار بأساليب احترافية حديثة لأن غالبية مؤسسات الأوقاف لا تفصح عن قوائمها المالية كاملة. لكن بما أن الأوقاف تدار غالبا عبر مديري وقف وليس مديري استثمار هدفهم تعظيم الربح هناك قناعة بأن أداءها المالي أقل قليلا من الصناديق المالية.
هيئة دولية للأوقاف
وتخطط دبي لتأسيس هيئة دولية على أراضيها في النصف الأول من عام 2014 لإدارة هذا التعاون. وذكر الريس أن هذه الهيئة ستديرها المؤسسات الأعضاء بها وستشمل هيئات خيرية من خارج القطاع الوقفي ذات طبيعة عمل متشابهة. وقال «ستكون جهة مسؤولة عن دراسة أفصل الممارسات لكل الدول الأعضاء.»
وأضاف «نريد إنشاء مؤسسة تجمع كل جهات الأوقاف ولا تستثني مؤسسات أخرى. وسيدير الأعضاء هذه الهيئة ونحن سنكتفي بإنشائها.»
وتأمل مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر في دبي في الحصول على دعم الحكومة والقطاع الخاص لإطلاق الهيئة التي ستكون ذاتية التمويل حسب الريس. وستحاول الهيئة تنسيق الجهود التجارية للأصول الوقفية حول العالم لتعزيزها ودعم ربحيتها.
عبوات العسل
وقال الريس إن أحد أدوار الهيئة المقترحة سيكون جمع المنتجات تحت علامة تجارية وتسويقها كمنتج واحد.
وأشار إلى ست عبوات من عسل النحل ع لى مكتبه من إنتاج شركات تجارية تابعة لمؤسسات وقف مختلفة في أنحاء العالم وكانت ذات أشكال وأحجام وملصقات مختلفة. وتأمل دبي إطلاق علامة تجارية موحدة للأوقاف العالمية تساعد أذرعها التجارية في الوصول إلى العميل المسلم وخفض تكاليف التسويق.
واعتبر زين العابدين كاجي أحد مؤسسي مؤسسة الأوقاف الوطنية في جنوب أفريقيا أن مبادرة دبي قد يظهر جل أثرها على هيئات الأوقاف الصغيرة وتلك الموجودة في بلاد ذات أقليات مسلمة.
وقال إن هيئات الأوقاف في بلاد كأوغندا ومالاوي وجنوب أفريقيا قد تدرس التعاون مع هيئة دبي عند تأسيسها.
وفي مارس اذار أعلنت دبي أنها ستطلق شركة جديدة لإدارة الأصول متخصصة في إدارة الأوقاف تحت اسم «نور أوقاف». وستكون هذه الشركة مملوكة بنسبة 40 في المئة لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصر و60 في المئة لمجموعة نور الاستثمارية التابعة لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية الذراع الاستثمارية لحكومة الإمارة.
وستقدم الشركة الجديدة البالغ رأسمالها المدفوع عشرة ملايين درهم (2.7 مليون دولار) خدمات تشمل الفحص الفني النافي للجهالة والتحليل المالي ومساعدة الأوقاف في تطوير أهدافها الاستراتيجية طبقا لتصريحات المسؤولين.
وقال خالد النيادي المدير التنفيذي للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف التي تشرف على نشاط الأوقاف في الإمارات إن الهيئة تدرس الاستعانة بمستشارين خارجيين. وأضاف «نود التأكد من أن المال في يد أمينة، نحن منفتحون على الاستثمار خارج الإمارات.» وقال النيادي إن ميزانية هيئته لهذا العام 240 مليون درهم بينما بلغت 17 مليونا عام 2006 حين تأسست. وأضاف أن الأوقاف التي تديرها الهيئة تسعى إلى ريع سنوي يصل إلى 10 في المائة على استثماراتها التي توجه 5 في المائة منها إلى السندات الإسلامية. ويأمل البعض أن تستطيع الأوقاف عالية الريع ذات الكفاءة المالية المرتفعة في المدى الطويل أن تفيد الاقتصادات بالتوسع خارج إطار المشروعات التقليدية كالمدارس في قطاعات كالطاقة المستدامة والتدريب المهني.ويقول تيمور خان أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة ديوك الأمريكية «الأوقاف في صورتها الحديثة قادرة على دعم المجتمع المدني في أنحاء العالم الإسلامي.
وكانت الأوقاف منذ قرون مضت تمثل أحد الأركان الاقتصادية للدول التي حكمت العالم الإسلامي وذلك عبر تغطيتها نسبة ليست بالسهلة من ميزانية الدولة. أما في الوقت الحالي فإن المراقبون يتسألون عن ما إذا كانت الأوقاف الحالية تلعب دورا رئيسيا في التنمية الاقتصادية للدول الإسلامية.