يستحيي المرء أن يقول: إن سكان الرياض يلاقون عناءً ثقيلاً من جراء تضييق مسارات الشوارع وتعقيدات المرور الناشئة عن الحواجز الكثيرة والتحويلات الطويلة التي فرضت وجودها المشاريع الضخمة العديدة، وعلى رأسها مشروع مترو الرياض.
ولا بدّ أن إنشاءها في أوقات متزامنة أوجد وضعاً حرجاً للجهات المسؤولة نفسها التي لا ترغب في مضايقة السكان، لكن الضرورة ألجأتها إلى ذلك، فحاولت تخفيف عناء أهل الرياض بإيجاد البدائل ما أمكن ذلك ووضع الحواجز والتحويلات التي تنظم حركة المرور. وعند توقيع العقود مع شركات تنفيذ المترو فإن صاحب السمو الملكي خالد بن بندر - أمير منطقة الرياض آنذاك - ناشد أهالي الرياض التعاون في تحمّل ما يسببه المشروع من مضايقات؛ وعند تدشين بدء التنفيذ قبل بضعة أسابيع، فإن صاحب السمو الملكي تركي بن عبدالله - أمير منطقة الرياض - نصح الأهالي بالإقلال من التنقل بالسيارات ما أمكن ذلك، لكي يقلّ شعورهم بالضيق. وكل ذلك دليل على مدى مشاركة المسؤولين للأهالي في الشعور بالعناء. ولو كان ما يُنفّذ هو مشروع المترو فقط لهان الأمر أمام عظمة إنجاز المشروع، لكنها مشاريع كبيرة وعديدة تتزامن مع مشروع المترو، مثل إنشاء الجسور وحفريات تمديدات وتوسعة شبكة المياه وحفريات الصرف الصحي، في الشوارع الرئيسية والفرعية داخل الأحياء، وغير ذلك من المشاريع الإنشائية وغير الإنشائية مثل إحلال دورانات في بعض الشوارع الرئيسية محلّ إشارة التقاطع، أو وضع حواجز حول بعض المجمعات السكنية أو الدوائر الحكومية.
ولا أحد يساوره أدنى شك في أهمية هذه المشاريع وأنها تحمل الخير للرياض وسكانها. والجميع ينتظرون على أحَرّ من الجمر إنجاز مشروع المترو لأنهم يأملون منه أن يغيّر وجه الرياض وأن يسمح بتواصل شماله مع جنوبه وشرقه مع غربه. ولا أحد كذلك يأبى أن يتحمّل ما يترتّب على تلك المشاريع من مضايقات. لكن أكثرنا يشعر بأن بعض الجهات المنفذة قد بالغت في الحرص قليلاً، بحيث نشأ عن ذلك عناءٌ لا موجب له. وعلى سبيل المثال توضع حواجز إسمنتية على جانبي حفر تمديدات بطول الشارع كله، بحيث لا يمكن لسيارة تدخل الشارع أن تدلف إلى شارع جانبي على يسارها إلا بعد قطع الشارع بطوله كله. وفي شارع آخر (بعرض 36 متراً أو أكثر) توسِّع الشركة المنفذة شقَّ قناة تمديد المياه الرئيسية، أو تعرِّض الشريط الذي تأخذه من الشارع على جانبي القناة وتفصله عمّا تبقى من عرض الشارع بحواجز إسمنتية، بحيث يصبح الشارع شبه مسدود أمام السيارات. هذا يحصل داخل أحياء سكنية، أي يمسك السكان من رقابهم. هذا بالطبع دون أن ننسى وجود حفريات في بعض الشوارع الداخلية تخص التمديدات، قد مضى عليها أكثر من سنة. من الأمثلة الأخرى الاستغناء عن إشارة المرور في أحد التقاطعات بقوس دوران يأخذ ثلثي عرض الشارع فيضيّق المسارات على الجانبين، مما يسبب الازدحام - خاصة عند اختيار موقع توجد على أحد جانبيه أو كلاهما محلات تقف أمامها سيارات الزبائن بكثرة. هذه الجزئيّات التي ذكرتها مع التحويلات الكبرى التي تفرضها مشاريع المترو والجسور تشكِّل مجتمعةً مصدر العناء والشعور بالضيق، وتتطلب بذل جهد لزيادة استعداد السكان للتعاون والتفاعل الإيجابي مع تلك المشاريع الحيوية اللازم تنفيذها لمصلحتهم جميعاً. من ذلك مثلاً:
-- حصول التنسيق التام والمستمر بين منفذي تلك المشاريع وأمانة منطقة الرياض وإدارة المرور، ومما يبعث على السرور توسعة عضوية مجلس الإدارة بهيئة تطوير مدينة الرياض بأعضاء جدد مسؤولين عن مؤسسات وطنية تنفذ مشاريع هامة في الرياض، مما يشير إلى العزم على تنسيق المشروعات تحت توجيه سمو أمير الرياض. والمأمول من التنسيق الحازم منع التداخل والازدواجية والمعوقات البيروقراطية، وعلاج مشكلة التعثر والتأخير في بعض المشاريع.
-- مدى إمكانية تجسير حفريات التمديدات الطويلة وتقليل ما تأخذه من عرض الشارع.
-- نظراً لأهمية التقليل من التنقل بالسيارات في تخفيف الزحام وحفظ وقت صاحب السيارة، فلعل بالإمكان النظر في قيام الدولة برفع سعر البنزين الذي يباع عندنا بأرخص الأثمان؛ وهو أمر يتفق مع ما أوصى به خبراء محليون ودوليون (ومؤخراً أعلنت الكويت عن عزمها على إجراء من هذا النوع). ونحن نحرق في مشاويرنا من الوقود أكثر مما نحتاج، لذلك نستطيع تعويض ما ندفعه من زيادة في السعر بترشيد المشاوير.
-- قد يسهم أيضاً في تقليل التنقل بالسيارة التوسع في فتح مكاتب فرعية للمصالح الحكومية التي يُكثر الجمهور من مراجعتها، والتوسع كذلك في استخدام التقنية الحديثة للاستغناء عن المراجعات الشخصية - كما تفعل الآن على سبيل المثال إدارة الجوازات، وقبلها شركات الطيران والبنوك.
-- النظر في تنظيم أوقات العمل كوسيلة لتخفيف الكثافة المرورية. ربما يمكن إلغاء دوام الفترتين وتعميم الدوام الواحد، مع اللجوء إلى أسلوب الدوام المنزلق - أي الذي يبدأ مثلاً بين السابعة والنصف والتاسعة صباحاً، وينتهي بين الثانية والنصف والرابعة عصراً.
-- وأخيراً فقد أثير أكثر من مرة موضوع استمرار المحلات والمكاتب في العمل أثناء وقت الصلاة، ونشر الأستاذ المحامي نايف السديري بحثاً مطولاً حول ذلك بجريدة (الرياض) قبل عدة أشهر. والموضوع هو بلا شك حساس، ولكن المبررات المطروحة جديرة بالاعتبار لأهميتها في قضاء الحاجات العاجلة (مثل الصيدليات والعيادات ومحطات البنزين)، وفى إنتاجية العمل الحكومي والتجاري، مع اشتراط عدم إعاقة الموظف أو صاحب المكتب أو المحل عن أداء فريضة الصلاة وتوافر المصلَّى. أما المبرر المطروح في سياق هذا المقال فهو المساعدة على انسيابية المرور، ومن ثَمّ تذويب التكدس المروري في أوقات مرتبطة بالأذان وبخروج المصلين من المساجد. وهذا التكدس يتحوّل إلى اختناق مروري عند التحويلات والحواجز والمضايق المرورية الكثيرة.
لا ريب أن المختصين هم أصحاب النظر الصائب، وهم الذين يعتمد على بحثهم ودقّتهم متخذ القرار، ولا أحد من سكان الرياض يريد تأخر المشاريع أو التقليل منها، بل المطلوب هو الإسراع في تنفيذها مع المواءمة بين متطلباتها ومتطلبات السكان الحيوية، فلا ضرر ولا ضرار.