يعتز أبناء المملكة العربية السعودية قاطبة باللحمة الوطنية المشرفة منذ عهد موحد الوطن ومؤسسه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه وجزاه عن أبناء الوطن من كل جيل خير الجزاء - فكل ما نحن فيه اليوم بفضل الله ثم بفضله، حيث حل العلم بعد الجهل، والأمن بعد الخوف، والعدل بعد الظلم، والغنى بعد الفقر، والكلمة الواحدة بعد الفرقة والشتات، تحت الراية الخضراء الخفاقة العالية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، حيث حَكَّم كتاب الله وسنة نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو ما سار عليه أبناؤه الملوك من بعده رحمهم الله (سعود وفيصل وخالد وفهد) حتى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسيدي ولي العهد الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز - أطال الله عمرهم وأدام عزهم - .
والراصد للشعر الوطني منذ عهد المؤسس الموحد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وتحديداً في شعر الحربيات (العرضة السعودية) على سبيل المثال لا الحصر كقصائد الشعراء ابن دحيّم والعوني وابن صفيان والعريني وغيرهم - رحمهم الله - يجد أن الشعر الوطني الذي هو وجه من الوجوه المشرفة للولاء والوفاء واللحمة الوطنية امتد من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق الذي يليه، وبنفس الجزالة والحب في الله لولاة الأمر والوطن، وكذلك يلحظ كيف أن استشعار المسؤولية تجاه الشعر الوطني من قِبل كبار الشعراء يمثل لهم أولوية، ولا يحول بينه وبين حضور مواقفهم الكبيرة في الشعر حائل كمسؤولياتهم العملية الجسام بل وثقوا - مراراً وتكراراً - ما يُسجَّل لهم بكل اعتزاز في هامة جبين صفحات وطنية الأجيال السعودية، من ذلك روائع الأمير الشاعر خالد الفيصل على الرغم من ارتباطاته منذ بداية حياته العملية في رعاية الشباب ثم إمارة منطقة عسير ثم إمارة منطقة مكة المكرمة ثم وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى عضويته في هيئة البيعة السعودية وارتباطاته بمؤسسة الملك فيصل الخيرية كمدير عام لها يقول في أحد أشهر النصوص الوطنية:
ارفع راسك انت سعودي
طيبك جاوز كل حدودِ
مالك مثيلٍ بالدنيا
غيرك ينقص وانت تزودِ
فارس واجدادك فوارس
واصبحت لبيت الله حارس
مغروسٍ بالمجد وغارس
في ميدان العز شهودِ
علمك غانم وجارك سالم
يخشى من هيبتك الظالم
راعي صمله دايم والم
سيف وقلب وفعل زنودِ
وتبيان هذا التوجّه المُشرِّف والاستشهاد بنخبة الشعراء فيه الهدف منه إيصال رسالة الشعراء الوطنية السامية، ومما تعنيه معانيها الشاملة أن للوطن ولولاة الأمر دينا في عاتق كل وفي شهم أصيل كما أمر الله بذلك ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ما يوثقه واقع الشعر الجزل بكل اعتزاز، من ذلك أبرز قصائد الحربيات العديدة - العرضة السعودية - للأمير الشاعر خالد بن أحمد السديري وهو أشهر من نار على علم في الإلمام بالتاريخ، وقائد فذ شجاع إبان مراحل توحيد الوطن في عهد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وله مجاله السياسي والإداري الكبير في خدمة وطنه منها - على سبيل المثال لا الحصر - عمله كأمير لمنطقة جازان عام 1940، وتعيينه عام 1945م عضو مجلس مستشاري الملك عبد العزيز، ثم أميراً لمنطقة تبوك، وفي عام 1955م عين وزيراً للزراعة، وتوفي - رحمه الله - عام 1978م يقول في إحدى أشهر الحربيات - العرضة السعودية - :
قال من هو تمثَّل في كلامه
كلمة الحق هي خير الدلايل
ذِرْوَة المجد في حجر اليمامه
لابةٍ عزّها من عصر وايل
مركب الطيب هم ذروة سنامه
فعلهم بين كل الناس طايل
هم هل المجد عنوان الشهامه
بالملاقي يروون السلايل
بيرق النصر حطوا له علامه
رايةٍ ظللت كل القبايل
دار عدوانهم صارت هدامه
عزّهم راح مثل الفي زايل
وضدّهم راح ما حصّل مرامه
ذاق من نسل عدنان الغلايل
هيه يالِّلي مثل خشف العدامه
أريش العين يا ضافي الجدايل
لا تعشقين من تَرَّك مقامه
يوم شاف المشوّك له شعايل
صار قلبه مثل قلب النعامه
ارتجف يوم شاف الدم سايل
تَرَّك المَرْجِلَه يبغى السلامه
صد عن درب ماضين الفعايل
ومما يثلج الصدر ويبهج النفس ويبعث على الاعتزاز أن الشعراء الشباب السعوديين - المعاصرين - الذين يكتبون القصائد الوطنية الرصينة بينهم موظف القطاع العام، والقطاع الخاص، والمهني، ورجل الأعمال وما سواها من كل المهن الشريفة المتنوعة، وكل منهم يجمعه بالآخر في القصيدة رابطة الوطنية المشرفة والشعر الوطني الجزل يمثل لهم أولوية بعيداً عن ذاتيات بدايات الشعر النمطية ولسان حالهم ما قاله الشاعر الكبير خلف بن هذال:
والمملكه في حمانا حيث ما كنّا
بالدم نسقي ثراها وانتحضنها
فرضٍ علينا وعهدٍ قد مضى منّا
إنرد بالنار هجمات العدا عنها
صنَّا المشاعر عن أشرار العدا صنّا
عنها الشوارب إلى فتلت نحسنها
ومنها قوله:
دارٍ على خدّها الطاهر تمكنّا
فيها ومن فوقها نحفظ توازنها
يا دار طير السعد والعز لك غنَّا
حلو الأناشيد بأصواته يلحنها
يا دار ما تقتحمك الإنس والجنّا
دونك عيالٍ تفادي عن مواطنها
وهاهي نماذج من القصائد الوطنية الرصينة المُشرِّفة للشعراء الشباب امتداداً لمن سبقوهم يقول الشاعر محمد العايد الشمري:
عبد الله اللِّي للصعيبات حلاَّل
معذور لو شح الزمان بوصيفه
يمناه غيمه خيرها للوطن سال
وللمعتدي نار وعذاب وقذيفه
بعيوننا مرباعه الفيء واظلال
وبقلوبنا بين الحنايا مصيفه
نعم نحبه ونتباهىونختال
يا عل عينٍ ما تحبه كسيفه
وتتنوَّع مناسبات الوطن الغالية ويبقى الشعر الجزل العابق بالولاء والوفاء لولاة الأمر الكرام - أطال الله عمرهم وأدام عزهم - وللوطن الغالي مزيّة لا تضاهى في الشعر الشعبي السعودي يقول الشاعر عبد الله بن عبيان اليامي:
سلام الله على نور الفجر ساس الفخر والدين
وطنَّا اللي غرسنا أرواحنا في صحصح رماله
رسمنا له على سطح الثريا نخله وسيفين
شعارٍ ثبّته عزم الموحِّد وانثنينا له
دحم كتف الجدي يوم المداحم واعتلابه لين
رسى بالعدل وطيور السعد تفخر بمنزاله
عزيزٍ عز دينه واعتنز واهل الجهل غاوين
حكم بالمصحف الطاهر ونور الشمس يزهاله
ويقول الشاعر علي بن نايف الغامدي:
يا موطن العز والموعد على القمَّه
حييت والمجد صافيةٍ ينابيعه
يحيا الوطن والقلوب تجيه ملتمَّه
وحبه نقوله على الأشهاد ونذيعه
نقسم ونحسم ونرسم فخرنا يمّه
ونذود عن قاعه وناقف على ريعه
حنَّا حماته وهمّْ اللِّي يبي همّه
لا صار للاش تربيعه وتكويعه