يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِيوَادْخُلِي جَنَّتِي} سورة الفجر آية ( 27 - 30 ).
وقال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} سورة العنكبوت آية (57).
تلقيت مهاتفة من أخي الفاضل (أبو سعد) عبر هاتفه المتحرك بأن زوجة أخيه (سَعِيد) انتقلت إلى رحمة الله في مساء يوم السبت الماضي 1 - 8 - 1435 هـ الموافق 31 - 5 - 2014 م بعد معاناة من المرض وعندما هممت بالذهاب إلى منزل أخي الفاضل - سعيد بن بخيِّت الصَّدعان إلى أداء واجب العزاء في وفاة زوجته أم نايف رحمها الله واسكنها فسيح جناته أخذني التفكير والتأمل في حال هذه الدنيا الفانية وما فيها من عبر ودروس ومواعظ وحزن وألم وفرح وسعادة، وفي أثناء دخولي إلى مجلسه العامر أخذت الأفكار تخالجني وأنا أشاهد هؤلاء الحضور وعلى رأس الحضور زوجها سَعِيد وإخوان الزوجة وإخوانه وأقاربه ومحبيه من أصدقاء وزملاء وجيران عندما صافحت هؤلاء الحضور معزياً أخذت مكاني داخل المجلس أسوة بالحضور انتابني شيء من الحديث فإن مساحة الحديث تضيق وتتعثَّر بالعبارات التي تتزاحم بها الخواطر وتتسابق بها الدموع وتنسكب بها العبرات وتتراءى بها الذكريات في كل وقت وحين مردداً كثيراً من آيات كتاب الله العظيم فهذه سنة الحياة لقد طوى هادم اللذات ومفرق الجماعات عميدة الأسرة الأستاذة : نوال بنت عبد الرحمن العبد الرَّزَّاق رحمها الله فلا اعتراض على إرادة رب العباد، نعم الموت حق على جميع المخلوقات فهو خاتمة الحياة الدنيا، كما قال الحق تبارك وتعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (78) سورة النساء
وقال تعالى : {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} (71) سورة مريم. فكم هو جميل أن تٌذكر مآثرها بعد رحيلها عن هذه الدنيا الفانية ويبقى ذكرها خالداً تلذ له الاسماع على تتابع أبنائها وأحفادها جيلاً بعد جيل موصولا بالدعاء والثناء والذكر الحسن وهذه نعمة من نعم الباري عزَّ وجلَّ على من تتصف به هذه الصفات الحميدة والأعمال الجليلة.
فقد حدثني أخي الكريم (أبو نايف) عن زوجته وعن سيرتها الذاتية بكل شفافية ومصداقية قائلاً : فقدت الأسرة امرأة مثالية ومحبوبة تملأ العين سكناً وهدوءا وتجبر القلب على محبتها من غير اختيار، كانت تمتاز بالحزم والعزيمة والإصرار فقد زرعت في أبنائها كافة ابجديات الخصال الحسنة فكانوا مضرب المثل بين أقرانهم في الأدب والاحترام والتقدير وحسن الخلق.
ما أجملها من زوجة وما أروعها من أم وما ألطفها من سيدة غالية وما أروعها من جليسة وما أحلمها عند الخصام وما أزكى نفسها عند العتاب وما أكرمها عند الجود والعطاء، فكانت تتحلى بالنبل والكرم والعفاف والعزة بالنفس تمتاز بصفات قلَّ أن تجتمع في امرأة واحدة.
لقد عانت العقيدة من كافَّة منغصات الحياة وإرهاصاتها بشتى صورها من الغريب والبعيد وكانت نعم الزوجة الصابرة والمثابرة والمحتسبة تمارس عملها بكل همَّة ونشاط وحيوية وتدبر شؤون منزلها بكل حكمة واقتدار إلى جانب حرصها الشديد على أداء الواجبات الشرعية وحفظ اسرار منزلها فقد كانت الفقيدة ذات همَّة عالية تركتها في نفس زوجها.
فإنها تتحلى بالمحبة والمودة والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين ومع كل فرد من أفراد الأسرة وفي أثناء حديثه الطويل عنها قائلاً لي عندما علمت بخير الوفاة توقفت لحظات وأخذت أردد قول الله عزَّ وجلَّ : (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
لم استطع لحظتها أن تأبى على طبيعتي البشريَّة أو أن انتصر على ضعفي الإنساني فحزن القلب ودمعت العين رغم إيماني الشديد بأن هذا الأمر مصير كل حي وأن الموت سُنة الحياة... ولكن ماذا يقول المرء والمصاب جلل افتقد عميدة الأسرة بعد مسيرة حافلة بالمحبة والمودة والتعاون والتكاتف في السَّرَّاء والضَّرَّاء كانت دائماً تترفع عن كافَّة صغائر الأمور التي تحدث معها في حياتها اليومَّية وتتعامل مع من حولها بذوق واحترام وأدب وتقدير.
إلى جانب أنها تمتاز بدماثة الخلق ولين العريكة متزنة التصرف والهدوء تحب المعرفة وتتلمس مسارب الفهم تتقن العمل بكل أمانة وإخلاص.
رحلت الفقيدة وبقي ذكرها الحسن وزادت محبتها في قلوب محبيها فنعاها من يعرف مكانتها وبعد نظرها.
كما قال الشاعر الحكيم :
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها حاد من الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد
كل إنسان منَّا في هذه الحياة راحلٌ ترفع أقلامه وتجف صحفه.. كما قال تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ولكن هذه الصحف بما هي عليه وبما فيها تنشر على ألسنة الناس لتكون عمراً ثانياً في حياته وبعد مماته لتملأ الفراغ الذي تركه ببدنه والذين يصنعون لأنفسهم الذكر الحسن بالعمل الصالح.
كانت الفقيدة تمتاز بالطموح وتسعى للبر والإحسان في مديد العون والمساعدة للآخرين إلى جانب أنها تقدم قواعد الضيافة على أصولها المتبعة أو أكثر بعناية واهتمام وحرص شديد دون تقاعس أو تكاسل فقد شبت وترعرعت في مدرسة والديها يرحمها الله على حب الناس واحترامهم وتقديرهم.
عرفت عميدة الأسرة يخصال رائعة بصورة لا تخفى عن أعين أقاربها وإخوانها وصديقاتها ومحبيها تستقبل هؤلاء باحترام وتقدير وحفاوة لا تفارقها البشاشة والابتسامة على محياها تحرص كل الحرص على حب الحديث والحوار والنقاش والإدلاء بآرائها ونصائحها عن الحياة حتى مع مجتمع من هو أكبر منها سناً وخبرة وتجربة كانت تسأل وتتساءل دون تردد أو نكوص تسهم في تعليقاتها اللطيفة ونكتها الطريفة وتتقبل من الآخرين مثلما تود أن يتقبل منها الآخرون.
فأردف قائلأً (سَعِيد) خلال السنوات التي ليست بالقصيرة حتى انتقالها إلى جوار ربها أعتبرها في نظري كنزا لا يتكرر وفراقها عن الأسرة شعور لا يوصف فقط، فقد انطفأ نورها المنير داخل الأسرة.
وقال الشاعر الحكيم :
من هاب أسباب المنية يلقها
ولو رام أسباب السماء بسلًّم.
من خلال ما ذكر آنفاً من كان له بصر يبصر به ومسمع يسمع به وعقل يدرك به إذ إن حياة المرء عبارة عن مراحل.
وقال الشاعر الحكيم :
أبيت الليل مكتئباً حزيناً
وتسألني العوائد كيف حالي.
يدفن بعضنا بعضا ويمشي
أواخرنا على هام الأوالي.
وما الموت إلا سارق دفن شخصه
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل.
نحن بنو الموتى فما بالنا
نعاف ما لا بد من شربه.
مثلك يثنى الحزن عن صوبه
ويسترد الدمع عن غربه.
على ذا مضى الناس اجتماعاً وفرقة
دميت ومولود ومال ووامق.
لقد ودعت هذه الدنيا الفانية رفيقة العمر وعميدة الأسرة أم نايف الصَّدعان، ولم يمت اسمها ولا مآثرها ولا ذكرياتها وسيظل اسمها محفورا في ذاكرتهم مدى حياة أبنائها وأحفادها .
ختاماً :- أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لأخي الكريم سعيد بن بخِّيت الصَّدعان وأبنائه الكرام وإخوانه الأعزاء وجميع أفراد الأسرة الكريمة سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنَّة، وأن يلهم أسرتها وأبناءها وبناتها وأخواتها وإخوانها الصبر والسلوان.