قبل عام أو أكثر وقع حادث لحافلة إحدى المدارس بمقاطعة أونتاريو مع قطار، وراح ضحيته طالبان فقط، وكان حدثاً تراجيدياً كبيراً على مستوى الإعلام والمؤسسات المعنية، بما فيها المجالس التشريعية. وخلال أقل من شهر بعد حدوث الحادث جاء أول تعديل أو تأكيد فيما يتعلق بقيادة الحافلات، يتمثل في إجبارها على الوقوف عند أي تقاطع مع سكة القطار حتى ولو لم يكن هناك قطار يعبر أو لم تكن الإشارة تضيء بذلك، بمعنى اعتبار تقاطع سكة الحديد كعلامة التوقف الكاملة عن أي تقاطع آخر. وبعدها توالت المقترحات الأخرى، بما فيها قانون تركيب الكاميرات بالحافلات المدرسية؛ ليعاقَب كل من يتجاوز الحافلة أثناء توقفها لإنزال أو تحميل الطلاب أسوة بما طُبّق في مقاطعات أخرى. وغير ذلك من الملاحظات والتنظيمات التي نشأت عقب ذلك الحادث المروري.
طبعاً هو حادث كان يمكن مروره مثل حوادث سير أخرى في بعض البلدان، لكنهم دأبوا على تحليل أي حادث ومسبباته وتأسيس أنظمة وقوانين - إن استدعى الأمر - بناء على نتائج معطيات ومسببات ونتائج تلك الحوادث، حتى ولو كانت حوادث فردية. وأشير إليه كمدخل لما يحدث لدينا.
وفق ما أعلنه الهلال الأحمر بمنطقة الباحة، فقد حصل 3294 حادثاً، كان نتيجتها 82 حالة وفاة، وما يزيد على 3000 إصابة (كما أشار لذلك الزميل عايض بن مساعد بجريدة الشرق). تلك التي باشرتها فرق الهلال الأحمر فقط ولم تنشر الإصابات والوفيات اللاحقة نتيجة مضاعفات الحوادث، ولم توضح الخسائر الأخرى المادية والاجتماعية والأضرار الأسرية والفردية نتيجة تلك الحوادث. هذا يحدث في منطقة صغيرة، لا يتجاوز سكانها مائة ألف، مما يمكننا القول بأن أكثر من 3 % من سكانها يتعرضون لحوادث تستوجب حضور إسعاف الهلال الأحمر.
عندما تسأل الناس: لماذا تلك الحوادث العديدة؟ تأتي الإجابات:-
1. السرعة والتهور وعدم الالتزام بقواعد القيادة السليمة.
2. عدم وجود رجال المرور في الشارع بكثافة كافية.
3. وجود دوريات التفتيش في مناطق أو منعطفات خطرة (حصل في أكثر من حادث)، وكأن الهدف هو اصطياد الناس وليس مساعدتهم في تقليل السرعة والمخالفات.
4. عدم وجود نظام ساهر الذي أثبت فعاليته في عدد من المناطق وعلى بعض الطرق السريعة.
5. سوء الطرق وتواضع صيانتها وضيقها ونقص العلامات التحذيرية بها.
هذا ما يقوله الناس. أما مجلس المنطقة فلم تحركه تلك الأرقام المخيفة لمناقشة ظاهرة كثرة الحوادث، وتخصيص جلسة أو جلسات لمناقشتها. وإدارة المرور لم تقدم لنا تقارير مفصلة عن تلك الحوادث؛ فهي لا تملك سوى تحديد مسؤولية الشخص عن ارتكاب الحادث من عدمه، وليس لديها قدرات فنية تحلل أسباب كل حادث بشكل مفصل. وجامعة الباحة مجرد مدرسة، وليس لديها خطط بحثية تتعلق بالمنطقة ومشاكلها الخاصة بها؛ لتقدم لنا دراسات حول ظاهرة الحوادث المرورية بالمنطقة، أو سلوكيات القيادة بالمنطقة، أو رصد حالة الطرق بالمنطقة، وغيرها مما نتوقعه من مؤسسة أكاديمية بحثية متطورة، تتفاعل مع قضايا بيئتها المحلية، ومن ثم الوطنية والإقليمية.
لم يحمل المسؤول (بشته) ويطرق باب وزارة الداخلية للتعجيل بتطبيق نظام ساهر بالمنطقة، أو باب الهلال الأحمر لإيجاد طائرات الإسعاف بالمنطقة، أو باب وزارة النقل لمراجعة حالة الطرق بالمنطقة، أو غير ذلك.. فكل شيء يحدث بقضاء وقدر، ويكفينا إنجازاً زيارة المصابين وذوي المتوفين للتصوير معهم، وكسب بعض الشهرة الإعلامية، أو التصوير مع حملة «الله يعطيك خيرها».