صدر في الآونة الأخيرة كتابًا بعنوان: حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم: تاريخها وأحكامها، لمؤلفه عبدالرحمن بن سعد الشثري، والكتاب ذو حجم كبير يضم بين دفتيه أكثر من (500) صفحة وهو جدير بالاهتمام من حيث عنوانه على الأقل إذا أنه يتحدث عن حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم!
الكتاب يقع في سبعة فصول، ويهمنا منها الفصلان؛ الأول والثاني.
تناول المؤلف في الفصل الأول: تاريخ بناء حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ص ص: 22-43) وتحدث في الفصل الثاني: عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه (ص ص: 45-69).
أما بقية الفصول فهي تتناول آداب زيارة حُجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وما يستحب وما يكره من الممارسات والتحذير من البدع والمخالفات الشرعية؛ وهو جُهد يشكر عليه المؤلف.
ناقش المؤلف في الفصل الأول من كتابه، ست مسائل تتعلق بحُجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي على النحو التالي:
1. التعريف بحُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
2. وقت بناء حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
3 . موضع حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
4. مرافق حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
5. أبواب حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
6. مكان سكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ على هذه المسائل التي أوردها المؤلف أن خمسًا منها عن ُحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها. واللافت هنا هو إصرار الباحث على استخدام مصطلح حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ مما يوحي للقارئ أن للنبي صلى الله عليه وسلم حُجرة واحدة لا غير وأنها هي الحُجرة التي عاش فيها وفيها دُفن!.
وهذا مناقض لما كان عليه الحال. فالمعروف تاريخيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وقد ترك تسعة أبيات ومرفقاتها تسع حُجرات، وليس حُجرة واحدة.
وأشار القرآن إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ .... الآية) [الأحزاب: 53].
كما أشار إلى الحُجرات بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ .... الآية) [الحجرات: 4].
وكما هو واضح فإن القرآن الكريم قد مَيّز البيوت من الحُجرات. فالبيت ليس هو الحُجرة والحُجرة ليست هي البيت، بل هي شيء مختلف تمامًا.
وحبذا لو توقف المؤلف أمام هذين المصطلحين وأشبعهما بحثًا وإيضاحًا، حتى لا يلتبس الأمر على القارئ.
ومن الإنصاف القول إن المؤلف حاول التعريف بالبيت والحُجرة ولكن جانبه الصواب فيما يبدو حيث اشتبه عليه الأمر؛ فالبيت عنده: «هو المستخدم للسكن بجميع منافعه، وهو الحُجرة. وما يتخذ غرفة للبيت يسمى الحُجرة».
ومعلوم أن الغرفة ليست هي الحُجرة، بل هي شيء مختلف؛ إذ هي ما يتخذ على ظهر البيت أي السطح، ويقال لها العُلية أو المشرُبة أو الخِزانة. ولها درج يُصعدُ إليها بواسطته، وربما كانت المشرُبة أو العِلية أو الغُرفة التي اعتزل فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت فوق سطح بيت عائشة وكان درجها من خارج البيت. لذلك فإن الغرفة ليست هي الحجرة؛ بل هي شيء مختلف تمامًا.
ثم إن الباحث يناقض نفسه في الصفحة نفسها، فيقول: «وقد جاءت أدلة كثيرة تُبيِّن أن الحُجرة تطلق على الجزء المخصص من البيت الذي يعتبر الحُجرة الواسعة وتكون في مقدمة البيت» (ص:24).
وما دام الأمر كذلك فإن البيت ليس هو الحُجرة. ثم يستشهد المؤلف بحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حُجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» (ص:24).
ومن الواضح أن حديث ابن مسعود الذي استشهد به المؤلف هو في الواقع يناقض ما ذهب إليه إذ أن الحديث المشار إليه يفرق تفريقًا واضحًا بين البيت والحُجرة ولا يمكن الخلط بينهما.
ودون أن يفكر المؤلف قليلاً في الفرق بين مصطلح البيت ومصطلح الحُجرة يستشهد بما جاء عن ابن تيمية في شرحه للحديث السابق حيث قال: «فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما كان المكان أستر لها -أي المرأة- فصلاتها فيه أفضل، فالمخدع أستر من البيت الذي يُقعدُ فيه والبيت استر من الحُجرة التي هي أقرب إلى الباب والطريق» (ص ص: 24-25).
ويمضي الباحث في الاستشهاد بالأحاديث النبوية التي تشير إلى كلٍ من البيت والحُجرة؛ فيذكر حديث أم حُميد التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: «يا رسول الله إني أُحِبُ الصلاة معك؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك، خير لك من صلاتك في دارك؛ وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك ...».
وهكذا فحديث أُم حُميد عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بوضوح لا يقبل الجدل إلى الفرق بين البيت والحُجرة. إذا أن البيت أستر من الحُجرة حيث أن الحُجرة هي أقرب إلى الباب والطريق كما قال ابن تيمية (ص: 25) ثم إن المؤلف يستمر في حشد الأدلة التي تذكر البيت والحُجرة إذ يذكر رواية لابن عباس قال فيها: «كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ربما يُسمعها مَنْ في الحجرة وهو في البيت» (ص:25).
وعلى الرغم من كل تلك النصوص التي أوردها المؤلف حول البيت والحُجرة والفرق بينهما إلا أنه قد أساء فهمها حتى أنه لم يستطع التفريق بين معنى كلٍ من البيت والحُجرة ووظيفة كلٍ منهما!
ويبدو الأمر أكثر إشكالاً عند المؤلف حول معنى كلٍ من البيت والحُجرة عندما يستشهد بما نقله عن ابن تيمية وربما لم يكن النقل دقيقًا حيث يلاحظ عليه الاضطراب وعدم الدقة جاء فيه: «... ولفظ الحُجرة لا يراد به جملة البيت كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.... الآية) بل يُراد ما يُتخذ حُجرة للبيت عند بابه مثل الحريم للبيت. وكانت هذه من جريد النخل، بخلاف الحُجر التي هي المساكن فإنها كانت من اللبن» (ص:26).
والاضطراب الذي لم يلحظه المؤلف ولم يتوقف عنده في الرواية التي أوردها آنفًا والمنسوبة لابن تيمية هو القول؛ إن الحُجرات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم كانت من جريد النخل بخلاف الحُجر التي هي المساكن فإنها كانت من اللبن.!! والسؤال هنا ما الفرق بين الحُجر والحُجرات التي نُسبت لابن تيمية سوى الإفراد والجمع؛ وحتى يزول الالتباس في هذه الرواية لابد من القول؛ إن الحُجرة هي حريم البيت أي الفناء الخارجي وهي المصنوعة من جريد النخل؛ أما البيت فهو الوحِدة الرئيسة للسكن ومبني من اللبن. إذ أن البيت مؤلف من أربعة جدران وسقف وباب وربما أكثر. لذلك لا يمكن بحال القول إن البيت هو الحُجرة وأن الحُجرة هي البيت أو أن الحُجر هي المساكن.
ثم يعود المؤلف إلى الإشارة إلى البيت والحُجرة في حديثه عن المكان الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر رواية جاء فيها قوله: «... فحُفِر له صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة» (ص:72) وفي الموضع نفسه قال المؤلف: فكان من حكمة الله دفنه في حُجرته (ص:72) والسؤال هنا هو ما الرأي النهائي للمؤلف هل دفُن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة أم في حجرته أي حُجرة بيت عائشة؟!
وقال المؤلف في (ص:73) هذا هو القصد من دفنه صلى الله عليه وسلم في حُجرة عائشة.
إن المثير للتساؤل والاستغراب في الوقت نفسه هو أن المؤلف لم يحسم الأمر؛ أي أين دُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل دُفن في بيت عائشة أم في حُجرته أم في حُجرة بيت عائشة؟
أما الجواب عن هذه الأسئلة فهو ما استشهد به المؤلف نفسه عن الشيخ ابن باز وهو قوله: «أجمع علماء الإسلام من الصحابة ومن بعدهم أنه عليه الصلاة والسلام دُفن في بيت عائشة المجاور لمسجده الشريف» (ص:56) وهنا لم ترد الإشارة إلى الحُجرة!!.
ولكن على الرغم من هذا الوضوح فيما قدمه الشيخ ابن باز حول المكان الذي دُفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن المؤلف وضع للمكان الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم العنوان التالي: «الحكمة من دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حُجرته» (ص ص: 70- 74) وهو كأنه بهذا الصنيع يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن في حُجرة البيت وليس في البيت نفسه!.
من كل ما سبق يتبين أن الأمر على درجة كبيرة من الغموض بالنسبة للمؤلف إذ أنه لم يزل يعتقد أن البيت هو الحُجرة وأن الحُجرة هي البيت، وأنه إذا قيل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فالمقصود به حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم!
ولذلك فقد توسع في التفاصيل المتعلقة بحُجرة النبي صلى الله عليه وسلم وجعل لها مرافق عِدة؛ مثل: السهوة، الكنيف، والمشربة (ص ص:32- 38). ويظهر والله أعلم أن هذه المرافق الثلاثة، ليست مرافق للحُجرة التي سبق القول إنها فناء البيت؛ بل هي في واقع الأمر مرافق للبيت نفسه.
أما مرافق الحُجرة، فلا يستبعد أنها تتكون من: الموقد والتنور والمستحم أو المغتسل إذ أن البيت مع صغر مساحته لا يمكن أن يحتوي على تلك المرافق.
ثم يمضي المؤلف وفقه الله في التفاصيل مع الإصرار على استخدام مصطلح حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فيتحدث في المسألة الخامسة: (ص ص: 39- 41). عن أبواب حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فيذكر أن لها ستة أبواب هي:
1. باب الحُجرة الشارع إلى المسجد.
2. باب البيت الذي يقابل باب الحُجرة المذكورة.
3. باب البيت الذي في جهة الشام.
4. باب السهوة.
5. باب المشربة.
6. باب الحُجرة التي من جهة الشام.
وفي حقيقة الأمر فإن حُجرة بيت عائشة ليس لها سوى بابان:
الباب الأول: هو الباب الذي يدلف منه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد. والباب الثاني: الذي يقع في جهة الشمال. أما بقية الأبواب الأربعة المذكورة فهي تختص بيت عائشة.
الذي يمكن الخلوص إليه من كل ما تقدم هو أن المؤلف قد بذل جهدًا لا ينكر في التعرف على مصادر البحث ومراجعه، وكل المعلومات التي توصل إليها هي على درجة كبيرة من الصحة؛ ولكن الإشكال الذي وقع فيه المؤلف وأوقع فيه القارئ في الوقت نفسه هو حالة الالتباس في موضوع البيت والحُجرة حتى أنه جعل عنوان كتابه: حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان المنتظر منه أن يتوقف قليلاً أمام المصطلحات التي يعثر عليها في مصادر البحث ليتعرف على دقة معانيها وما ترمي إليه حتى يتمكن من تقديم صورة هي أقرب إلى الصحة عما يتحدث عنه.
والأسئلة التي يمكن توجيهها إلى المؤلف الفاضل هي: أيهما أكثر أهمية البيت أم الحُجرة؟ وهل دُفن النبي صلى الله عليه وسلم في الحُجرة أم البيت؟ وأيهما أكثر إكرامًا للميت أن يُدفن في بيته أم في حُجرة البيت أي الفناء؟!.
أما الإجابة عن هذه الأسئلة فقد جاءت على لسان أم المؤمنين عائشة عندما قالت: «... وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي أنا فيه وهو الذي توفي فيه ودُفن فيه ...» (ص: 27).
ثم يضيف السمهودي توضيحًا لما سبق فيقول: «وأن الظاهر أن ما تُرك في المسجد من الحُجرة كان من مرافقها كالدهليز للباب وأن ما بُني عليه من ذلك هو صفة بيت عائشة رضي الله عنها التي وقع الدفن بها [كذا] والأجود القول: الذي وقع الدفن فيه؛ أي البيت.
وأخيرًا، فإن المأمول من الباحث الفاضل أن يُعيد النظر في عنوان كتابه في طبعته الثانية، ويبحث عن العنوان الدقيق المعبر عن الغرض المقصود الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم ويليق كذلك بالجهد المبذول في إخراج الكتاب إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن في بيت عائشة وليس في حُجرة البيت.
هذا ما أدى إليه الاجتهاد والله أعلم بالصواب.