كثيرة هي الأحداث التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة في هذه الأيام. وهي أحداث في أغلبها مؤلمة أشدَّ الإيلام. ومن هذه الأحداث ما يرتكبه الأعداء الصهاينة؛ مدعومين من المتصهينين - وفي طليعتهم قادة أمريكا - ضد القدس وضد المسجد الأقصى بالذات.
وإن المرء ليكاد يعتقد أن هدم المسجد الأقصى أصبح قاب قوسين أو أدنى. فما الذي يؤمَّل من أُمَّتنا أن تقوم به؟
مع أن قضية فلسطين - وفي مُقدَّمتها قضية القدس والمسجد الأقصى - تَهمُّ العرب والمسلمين عامة فإن أَوْلى الناس بها الفلسطينيون. فما هو تاريخ زعمائهم تجاه القضية؟ يوجد زعماء فلسطينيون برهنوا على أنهم مخلصون لتلك القضية. لكن تَصرُّفات بعض هؤلاء الزعماء لم تكن مُوفَّقة. بل إنها أَقلُّ ما يمكن أن تُتَّهم به هو سوء التصرُّف.
ظهر هذا السوء واضحاً عندما راحوا يَتصرَّفون في الأردن متجاهلين للحكومة الأردنية. وكان ذلك مما أدخلهم في صراع مع تلك الحكومة. وكانت النتيجة فقدهم البيئة الحاضنة. ومن المعلوم أن القدس وما احتُلَّ من فلسطين، عام 1967م، كان عند احتلاله تحت الحكم الأردني.
صحيح أن اتِّفاقية كامب ديفيد كانت نكبة لأُمَّتنا؛ وبخاصة فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية. ذلك أنها أخرجت مصر العظيمة بإمكاناتها من ميدان المواجهة مع الصهاينة. لكن اتِّفاقية أوسلو كانت هي الأخرى نكبة على القضية الفلسطينية. فقد تَضمَّنت بنوداً منها أن تقف الجهة الفلسطينية المُوقِّعة على تلك الاتِّفاقية مع الصهاينة ضد أيِّ حركة مقاومة لهم. ثم أُكملت الاتِّفاقيتان المذكورتان باتِّفاقية وادي عربة مع الأردن.
والذي يراه كاتب هذه السطور أن أقلَّ ما يُطالَب به تجاه ما يرتكب من جرائم تجاه القدس والمسجد الأقصى إلغاء تلك الاتِّفاقيات الثلاث.
وفي هذه الأيام الأخيرة ارتكب من يريدون الشر والدمار لوطننا العزيز ما ارتكبوا في جهة الأحساء وجهات أخرى من هذا الوطن. وإن مما يُحمَد الله ويُشكَر عليه تَمكُّن جهات الأمن في هذا الوطن بالقبض على الأشرار الذين ينبغي أن لا تُؤخَذَ بهم رأفة. إن هذا الوطن عزيز على أبنائه المخلصين. وكنت قد حاولت التعبير عن مكانته في وجداني بأبيات في قصائد عديدة. ومن ذلك:
خَطَرتْ فَقبِّل ثَغْرَها المُتبسِّما
وارسمْ لعينيها الكلام مُنَمنَما
لا تَكتم الحُبَّ الذي أَدمنتَه
حُبٌّ كُحبِّك هل له أن يُكْتَما؟
هَذي الثُّلوجُ وإن عَلَتْ ذَرَّاتُها
فَوْدَيك لم تُطْفئ جَوَاك المُضْرَما
ما زِلتَ مُتَّقدَ الصَّبابةِ .. خَافقاً
أَرخى الأَعنَّة للهَوَى واستسلما
ومَليكةُ القلبِ الوَلُوع مَليحةٌ
ما طُوِّقتْ خِصْراً ولا رُشِفتْ لَمَى
عُذريَّةٌ حُلَلُ الطهارةِ ثوبُها
ما أَروعَ الثوبَ النَّقيَّ وأَعظما!
وَطَنٌ تَضمُّ المَسجدين رِحابُه
أَرأيتَ أَطهرَ من ثَرَاه وأكرما؟
وعلى الشريعةِ أُسِّست أَحكامه
غَرَّاء أَنزلها الإلهُ وأَحكما
ومَظاهرُ الإنجازِ أَصدقُ شَاهدٍ
عَمَّا بَنَاه حَضارةً وتقدُّما
وأَنا الذي أَرواه فَيضُ نَمائِه
وَزَهَا بما قد شِيْد فَخراً وانْتِما
ومن ذلك؛ مُفتخراً بالوطن وإنجازاته:
لي مَوطنٌ يَتسامى عِزَّة وعُلاً
إن سابقت لبلوغ المجد أوطانُ
تاريخه سِفْر أعلامٍ صحائفُه
على فضائلِ ما شادوه برهانُ
يفوح من سيرة الهادي وشرعته
عطراً نَسائمه عَدلٌ و إحسانُ
أقامها دَولةً عَزَّت بدعوتها
أن لا يَذِلَّ لغير الله إنسانُ
والناس في ظِلِّها الحاني سواسيةٌ
لا شيء إلا التُّقَى للفضل ميزانُ
وما اختفى لعظيمٍ راشدٍ عَلَمٌ
إلاَّ بدا من به الأَعلام تَزدانُ
وانشقَّ من كَبِد الصحراءِ فارسُها
يَحدو فَتنقاد أبطالٌ و فُرسان
ويرفع الراية الخضرا مُوحِّدةً
فتستجيب رُبىً عطشى ووِديان
وتنتشي طرباً نجدٌ معانقةً
للساحليْنِ و تُبدي الحب نجران
مرابعٌ رحباتُ المسْجِدَيْنِ لها
تاجٌ تتيه به فخراً و عنوان
و جَنَّةٌ من غِراسِ الخَيرِ كم سَعِدت
بفيضها الرَّغْد أجناسٌ و أَلوانُ