لا شـك أن الاستراتيجية السعودية الحكيمة لمواجهة التطرف، و(فكرة) وزارة الداخلية في مناصحة الموقوفين في قضايا الإرهاب فكرة رائدة، وهو ما جعلها تنال إعجاب كثير من الدول التي تعاني مثلما نعانيه في بلدنا، وتبذل جهوداً مضنية في مواجهة التطرف والتصدي للإرهاب.
وما أعرفه عن مركز المناصحة أنه يعتمد مسارين مزدوجين أحدهما يعنى بالجانب الأمني، والآخر بالجانب الفكري، مما يمكن أن يسهم في القضاء على الظروف المساعدة على الإرهاب ومنع الجريمة، مع تناغمه مع أهداف حقوق الإنسان وسيادة القانون في المملكة.
ولأن الأمر يتعلق بقناعات وأفكار ومفاهيم وطموحات سياسية؛ ناهيك عن التحريض الذي يتلقاه الشباب على وجه الخصوص، فإنه ليس من السهل التسليم التام بمنهج المناصحة التقليدي وتغيير النهج التكفيري من خلالها فحسب.
ولئن نجحت المناصحة نظرياً واستراتيجياً؛ إلا أنها لم ترقَ للطموح المأمول وهو الإقلاع تماماً عن النهج التكفيري والفعل الحركي عدا مع فئة قليلة لم تكن لتشكل الخطر الكبير! إذا علمنا أن جميع الفئات قد أخضعت لذات البرنامج وتم وضعها في كفة واحدة دون النظر للناحية النفسية والاجتماعية التي قد تكون أغفلتها المناصحة حينما قصرت التوجيه على المشايخ فحسب، برغم أن مركز الأمير محمد للمناصحة وبميزانيته الضخمة التي وصلت إلى أكثر من (144) مليون ريال سنوياً يمكن أن يستقطب أطباء نفسيين ومتخصصين في علوم الاجتماع والنفس والجريمة وهي علوم إنسانية تساهم في علاج المهووسين بالإرهاب والتفجير والقتل، وبمقدورها تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة لديهم لاسيما ما يختص بالحكومة وتضخيم أخطائها أو تكفيرها!
إن فهم نفسية الشباب وما يصاحب المرحلة العمرية من طموح وتوق للمناصب والإمارة على وجه التحديد هو ما نجحت به داعش وجميع التنظيمات الحركية التي ركزت على إرضاء طموحهم من خلال تعزيز الدافعية تحت مسمى الجهاد والإمارة الوهمية، وتأجيج العاطفة الدينية من خلال ما يحصل للمسلمين من حروب أو مآسٍ وتوظيفها لخدمة الهدف السياسي، والحصول على مكاسب كبيرة يكون وقودها فتياناً مندفعين للجنة وملاقاة الحور العين!!
والحق أن تأثر الشباب بالشحن العاطفي من خلال مواقع الإنترنت وتويتر لنشر التطرف والإرهاب والفكر التكفيري وأصدقاء السوء كان أكبر تأثيراً من المناصحة التقليدية.
فلمَ نتفاجأ بأن أغلب المقبوض عليهم مؤخراً من خريجي المناصحة وممن بذلت عليهم الدولة أموالاً طائلة في سبيل تأهيلهم للحياة المستقيمة ونبذ العنف والتطرف؟!