دالوة الأحساء تحدي الضمير الوطني لتعميق وتطوير الوحدة الوطنية ولمواجهة مستنقع الاحتراب المذهبي بالمنطقة
أكتب مقال اليوم بمداد الحب الجارف لهذا الوطن وعلى لوح مفاتيح الأمل بحفظ سلمه الاجتماعي ووحدته الوطنية في وجه أعداء الداخل والخارج
أكتب مزارع الدالوة ونخيل الأحساء بشغف الشباب
أكتب أسماء الشهداء من الضحايا والجنود بدعاء الأمهات
أكتب بأسماء الله الحسنى الحق والعدل والسلام لتحصين وحدتنا الوطنية من نواقض هذه الأسماء
أكتب وحدة البلاد بتعدد أطياف الوطن الجغرافية والمذهبية والفكرية والثقافية والبشرية، وأكتبها بمشتركاتنا الوطنية في الدنف بتراب هذه الأرض بصحرائها الشاسعة وبمائها القليل ,بتواريخها المضيئة وتحدياتها الحاضرة وبمستقبل الأجيال على تنوع مشاربه وتلاحم مصيره.
أكتب بحلم تعايش جميع الأطياف بألوانها المختلفة على قدم المساواة في حرية التعبير والتفكير وفي العيش الكريم بإخاء وسلام على أرض صلبة من الوحدة الوطنية وتحت سماء ترف في هوائها الطلق راية الوفاق الوطني والسلم الاجتماعي والمشاركة السياسية والاجتماعية في السراء والضراء وفي وقت الشدة والرخاء.
أكتب بوحدة الانتماء وبتنوع أكف العطاء لهذه البلاد من شرقها لغربها ومن شمالها إلى جنوبها ومن سنتها لشيعتها ومن جبالها لسهولها, من مائها لفلواتها ومن محافظيها لليبرالييها, من مراعيها الغاربة وبساتينها البيات إلى نفطها في جدل الفورة والنفاد. أكتب البلاد بدماء تفتدي البلاد من براءة الأطفال في المهد إلى نزق المراهقين على مشارف المستقبل , من حكمة الشيوخ المعمرين في عشق الوطن إلى صبابات الصبايا وقلق المنغمسين في مشاغل الحاضر واندلاع التحولات.
ليس في شهداء اللحمة الوطنية عزاء
لا أستطيع أن اختم هذا الجزء من مقال اليوم دون أن أطبع قبلة إجلال على جباه أمهات الشهداء مع أحر التعازي لكل أم وأب ولكل أسرة ولكل بيت من بيوت أهلنا في الدالوة وفي الأحساء وفي المنطقة الشرقية وفي القصيم ولكل شبر بارض الوطن. ولنا جميعاً العزاء وإن كان ليس لنا من عزاء في هذا الفقد العزيز الفاجع الا العمل على مزيد من تواشجنا الاجتماعي باحترام التنوع وتعزيز الوحدة الوطنية وروح الانتماء. جلل الله تلك الأرواح الغالية الطاهرة التي عادت إلى بارئها بحرير الرحمة ونعمة الخلود.
المبادرة الأهلية المكية
والبيانات الوطنية وهبة القيادة
لقد دخلت بعد الحادث الجلل لغيلة أبناء الوطن إلى فضاء تويتر لأسجل بحبر الحياء كلمة تعزية للوطن ولأهلنا من أسرهم, فوجدت تويتر قد اشتعل بنور المبادرة المكية التي انخرط فيها طيف عريض من المواطنين بعد أن تقدمت بها سيدتان من بنات الوطن هما هتون الفاسي وهناء حميدان بمشاركة اتسعت عبر الوطن لتضم أطيافاً من النساء والرجال الأحرار من خلال خيوط وسائل التواصل الاجتماعي, تويتر فيس بووك وتساب ومكالمات هاتفية. فشدت الرحال مجموعة من الأهالي في باقة وطنية متنوعة آخذة بالازدياد من مكة المكرمة ومن الرياض ومن مواقع أخرى بالوطن إلى مطار الدمام ومنه إلى الأحساء للمشاركة في تشييع جنائز يوم الجمعة 14 محرم 1436هـ, ولتقديم واستقبال العزاء مع اهالي الدالوة.
إن هذه المبادرة الأهلية العقلانية في رمزيتها المكية تلتقي في هدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وفي التصدي الواعي عن عمد وإصرار لكل محاولات نقل عدوى الاحتراب الطائفي بالجوار العربي في دائرته الإقليمية, مع المبادرات والبيانات الأهلية الرشيدة الصادرة عن المنطقة الشرقية كبيان (سعوديون خارج الأقواس), التي أرادت بدورها أن تسارع لنزع أي احتمال باشعال فتيل فتنة طائفية بين سنة وشيعة الوطن الواحد. وهما (المبادرة المكية الأهلية والبيانات) يلتقيان كتعبير عن المجتمع مع تلك الهبة الوطنية على المستوى الرسمي للدولة ممثلة بموقف هيئة كبار العلماء وبموقف رموز السلطة السياسية والأمن والصحافة بأقلامها الرسمية في التلاحم مع أصحاب المصاب، وفي إدانة ذلك العمل الإرهابي وتعصبه المذهبي البواح الذي استهدف أمن الدولة والمجتمع.
وإذا كانت طبيعة الحدث الجارحة في الواقع المحلي بحد ذاتها وفي مواجهاته الحادة مع الإرهاب من ناحية, ووقوعها على خلفية طبيعة المرحلة الراهنة عربيا وإقليميا بل ودوليا في جر المنطقة إلى مستنقع الاحتراب الطائفي وتخصيصا الشيعي السني كما هو مؤجج في بلاد الرافدين وبلاد الشام من ناحية أخرى, قد سمحت ربما لأول مرة في تاريخ وحدة المملكة العربية السعودية بالحديث الشفيف في تلك المسألة المستترة من مخاوف التوتر الطائفي, سواء على مستوى رسمي او على مستوى الصحافة والإعلام ,فإن تلقف المجتمع للموضوع كقضية ضمير شعبي يجب أن تدفعنا مجتمعا ودولة بمشاركة سياسية تمثل كافة الطيف الوطني للتصدي للب المسألة وعدم الاكتفاء فيها بنبل المبادرات والبيانات الاهلية لرأب الصدع أو لهبات الإدانة الرسمية بما لن يكفي وحده لردع كارثة طائفية جديدة لا سمح الله.
لقد فتحت حادثة الأحساء الباب لتعدد الاجتهادات الوطنية المخلصة على مستوى النخب وقوى المجتمع الناعمة من الشباب وسواها من القوى الاجتماعية الأكاديمية والثقافية والشعبية لشأف شرارة التوتر الطائفي أو أي احتمال جديد له والالتفاف حول الوحدة الوطنية. وقد كان من أبرز هذه الاجتهادات مجموعة مطالب طرحت في صيغة إجراءات تقنينية مقترحة منها كما يجري تداولها:
1- أن ينهج التعليم العام إدارة وكوادر ومناهج نهجا يعزز الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي ولايسمح بالتنابذ ولا التمايز الطائفي أو المذهبي.
2- تجريم الشحن الطائفي والمذهبي بسن قوانين واضحة يتساوى أمامها كافة المواطنين لتتعامل مع حالات الاستعداء أو تبادل الاستعداء او أي شكل من أشكال التحريض لابشكل مادي ولا أدبي أو معنوي.
3- وضع تشريعات قانونية تقوم بتوطين سياسات وطنية في الأسرة والحي والمدرسة والجامعة وجميع مواقع الفضاء الخاص والرسمي العام لبناء علاقات اجتماعية سلمية تحترم الاختلاف وتقوم على أسس الشراكة في الانتماء الوطني بما يواجه تسييس الاختلافات المذهبية ولا يسمح بإدخالها طرفا في صراعات سياسية محلية أو إقليمية.
4- رفع هيمنة الاحادية والتسامح الوطني مع حرية الفكر والثقافة والسلوك فيما يخص الاعتقاد المذهبي بشروط سلميتها وعدم فرضها على من يخالفها أو يختلف عنها.
5- العدل والمساواة السياسية والاجتماعية على أساس المواطنة والانتماء الوطني والهوية الوطنية الموحدة بالانتماء للبلاد دون اعتبارات مذهبية ,قبلية, مناطقية او سواها من الانتماءات الفرعية. هذا مع إتاحة المشاركة السياسية بتمثيل ممثل وليس رمزيا وحسب لكافة الطيف الاجتماعي.
6- إدارة السياسة الخارجية والصراعات الإقليمية والدولية بروح مستقلة وجدلية وبالمشاركة السياسية الوطنية والمشورة في الأمر بين الدولة والقوى الاجتماعية المتعددة بالمجتمع بما يقوي منعتنا الوطنية داخليا وخارجيا.
نعم للسلم الأهلي نعم للوحدة الوطنية ولاااا لتأجيل الإصلاح
لكل ما تقدم فإني في كتابة هذا المقال أكتب بفطنة الخوف وبذكاء الحذر من انتشار شرارة الاحتراب إن لم نعزز تلك المبادرات الأهلية على مستوى تلاحم الشعب والهبة الوطنية على مستوى الدولة وقيادتها بمشروع جاد وجذري للإصلاح وللمصالحة الوطنية في وقت السلم بدل لاسمح الله التأجيل والمماطلة لحين لايكون الوقت لصالح الإصلاح والمصالحات كما صار أمامنا في أوطان تهاوى سلمها الاجتماعي وتفتت نسيجها الوطني بسبب قلة الرؤية والتحرك قليلا أو ببطء وتردد حين لات ساعة مندم.
ونحن نقول بإحياء أطروحة الإصلاح بكل إخلاص ومن واجبنا أن نقولها بكل مشافهة وشفافية لأننا لانريد لاقدر الله على وطننا أن يعاني ويلات الاستفراد بالسلطة ولا تهتك الانقسام ولا التهاوي في وحل مستنقعات الصراعات الإقليمية والدولية بصبغاتها التعصبية المنصوبة مسارحها غير بعيد منا على رؤوس الأشهاد.
والحقيقة أن الوحدة الوطنية الغالية التي أنجزت منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز وإن تطورت في العهود اللاحقة لأبنائه بتطور البلاد عمرانيا وتعليميا في ظل الدخل الريعي للنفط, فإنها تظل بحاجة لتطوير دائم في إطار العمل على تطوير البنية السياسية للنظام السياسي نفسه وفي إطار استيعاب النظام السياسي لتعددها وتنوعها وتحويله إلى عامل إثراء لبناء الدولة الوطنية والمجتمع المدني الوطني.
هذا ولا أجد أنسب لكلمة الختام من كتابة ما قاله أهالي الدالوة والأحساء في لحظات تشييع جنائر الشهداء من فلذات الأكباد «لقد كان الحادث الجلل امتحان لتلاحمنا الوطني ولابد أن ننجح دولة ومجتمعاً سنة وشيعة في امتحان صيانة الوحدة واحترام التنوع معاً».
ولله الأمر من قبل ومن بعد.