يروي الوزير الراحل غازي القصيبي، رحمه الله، ملابسات تعيينه وزيراً للصحة، ويذكر أن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، قال له - فيما معناه - إن وزارة الصحة قد استعصت على الإصلاح، فهل أنت لها؟!، وحينها تسنم القصيبي سدة هذه الوزارة، وبقية القصة معروفة، وفي تقديري أن هناك وزارات أخرى قد استعصت، فقد كانت هناك مشاريع جبارة فيما مضى، منها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، والمقدرة ميزانيته بالمليارات، ومع أنه انطلق منذ سنوات عديدة، إلا أننا لا نعلم شيئا عما تم إنجازه، فلا تزال الناس تشكو، كما كانت قبل انطلاق ذلك المشروع العملاق، رغم تفاؤلنا بالقيادات التي تولت إدارته، وما نعلمه أنه لم يتغير شيء ذي بال، خصوصاً على المستوى الفكري، ويكفي أن تعلم أن معظم من يذهب إلى أماكن الصراع هذه الأيام هم شباب صغار، لم تتجاوز أعمارهم السادسة، حينما انطلق مشروع تطوير التعليم!!.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رائد الإصلاح والتنمية، يؤكد كثيراً على خدمة الوطن، والمواطن، ويوجه بصرف المليارات، ومع ذلك فهناك خلل في التنفيذ، فأين المشكلة يا ترى؟!، هل هي في الكوادر التي تقوم على هذه المشاريع، وهنا نؤكد على أن نجاح أي مشروع يعتمد على إخلاص ونزاهة وشجاعة القائمين عليه، وهذا لا يتأتى إلا عندما يتم تعيين صاحب الكفاءة، بعيدا عن المحسوبيات، فلئن كان التعيين بالمحسوبية - رغم اختلافنا معه - يحدث في بعض القطاعات البيوقراطية، ولا يكون ضرره كبيراً، فإن تعيين شخص غير مؤهل، بناء على محسوبية، أو علاقة شخصية في سدة المشاريع الوطنية العملاقة، مثل تطوير التعليم، وتطوير القضاء، وبرنامج الابتعاث يعتبر قتلا لهذه المشاريع الوطنية، التي يراد لها أن تنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة، وما مشروع تطوير التعليم الأول إلا مثالا على ذلك، فرداءة المخرجات سببها أن من يتعين بمحسوبية، ولا يملك الوعي، ولا الشجاعة لتنفيذ ما يطلب منه، يتحول إلى دمية تحركها سلطة الجماهير «المتوهمة»، ومن يسمون بالمحتسبين فيعمل وفق أجنداتهم، المضادة تماما لتوجهات الدولة، ورغبة الأغلبية الصامتة!.
حسنا، لقد تم اعتماد مبلغ ثمانين مليار لتطوير التعليم، وهو مبلغ يعادل ميزانيات دول كاملة، وهنا يحق لنا أن نتساءل، بعد تجربة التطوير الأولى: هل سيتم اختيار الكفاءات المناسبة، عطفا على التميز والتخصص، وبعيداً عن المحسوبية، لتنفيذ هذا المشروع الوطني الجبار، وهل يدرك القائمون عليه أن مشروعا بهذه الضخامة يحتاج إلى عاملين أكفاء، يملكون الحد الأعلى من الوعي، والإخلاص والشجاعة، ويكون الوطن وخدمته نصب أعينهم، أم أننا سنعيد تجربة التطوير الأولى، ثم تساؤلات عامة حول من يتحمل المسؤولية: هل من الممكن أن ينجح مسؤول يتلون، وينافق، ويكتب دفاعاً عن التيارات المتشددة، وهل نتوقع أن ينجح في التطوير من لا يستطيع تطوير ذاته، وهل نرجو ممن يهتم بالمظاهر، والشكليات على حساب الجوهر أن ينجح في أي عمل، وهل عملية تدوير الموظف في مواقع متنافرة، وخارج إطار تخصصه عملية مجدية، والخلاصة هي أن أي عمل كبير يحتاج إلى قيادات مؤهلة، تملك الرؤية، والوعي، والشجاعة، وإلا فإننا سنستمر في هدر الأموال دون طائل!.