اطلعت على مقالين كتبهما القراء ونشرتهما الجزيرة؛ أحدهما يوم الاثنين 17 محرم 1436 من الهجرة؛ في صفحة عزيزتي عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ رحمه الله. وتناولا الشبه التي تثار حول دعوة الشيخ؛ وليس هذا بغريب؛ ولا يرمى إلا من أوجع الأعداء؛ الجدد ومن سبق.
من خلال متابعتي لم تقف الشبهات حول تشويه دعوة الشيخ؛ واتهامه بالعظائم؛ وإذا كان الشيخ لم يسلم في حياته؛ فكيف يسلم بعد مماته؟! رحمه الله تعالى؛ وجزاه عنا الفردوس الأعلى؛ وجمعنا وإياه في دار كرامته.
الشيخ بشر؛ ولا أحد يدعي بأنه معصوم؛ ولكن من لا يفهم عن الشيخ فطبيعي أن يتهمه بالتشدد؛ فدعوة الشيخ ركزت على جانبين مهمين؛ وهما أصل التوحيد والواجب في بابه؛ وكمال التوحيد وأعلى مراتبه؛ ومن لم يدرك مقاصد الشيخ في تحقيق كمال التوحيد ظن ما جاء به تشددا.
بعض المنتقدين يستكثرون الرد عن عرض الشيخ؛ ويقولون لا تقدس الشيخ؛ وكأن المدافع يدعي عصمة الشيخ؛ أو كماله؛ بل بعضهم يستنقص دعوة الشيخ؛ لأنها لم تكمل جوانب الفقه وأنها قصرت على التوحيد؛ ويتماهى بعضهم ويتباهى بذكائه الفقهي؛ ليقوم بلمز الدعوة؛ وكأننا قلنا له إنها أكملت الدين؛ وذلك مرض في قلبه؛ يهمه التنقص من الآخرين؛ ولو بلمز مرجعيتهم العلمية؛ وأهل السنة والجماعة ومنذ القدم لا يتعصبون لأحد؛ ولا يدعون عصمة سوى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويذكرون ما ذكر في القرآن والسنة حول مسائل نزلت في شأن حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ في نهيه الله له عنها؛ فكيف يتركون ما ينهى عنه الأئمة والعلماء وغيرهم؟
يظنون الظنون بالأمة والشعب حينما يتنقصون علماءهم؛ ويريدون منا التسليم دائما؛ بحجة لا عصمة لأحد؛ ونسوا أن الذب عن عرض المسلم واجب؛ والعلماء من المسلمين؛ بل من خاصتهم؛ بحكم مكانتهم التي ذكرتها النصوص؛ لا لحق متوارث كما يفعل المبتدع؛ مع علمائه ورموزه؛ والمشاهد يدرك ويسمع دفاع المنحرف عن رموزه الإرهابية وغير الإرهابية من المنحرفين.
من الناس من جعل تقسيم التوحيد لأنواع بدعة؛ وهذا قمة الضعف في الفقه - الفقه الأكبر - وهو توحيد الله؛ الذي أرسل من أجله الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ولا يدرك المسكين أن التقسيم للتعريف والفهم والاختصار؛ وليس مقصود العلماء في التقسيم الابتداع؛ التقسيم خريطة ذهنية لترسيخ الإيمان؛ وليس مقصودا لذاته.
مثله الأحكام في أصول الفقه والفقه؛ كالحرام والواجب والمكروه والمستحب والمباح؛ والركن والشرط والواجب؛ كل ذلك للتفقه والاختصار وتقريب المواقف للعقول؛ وإلا فالصلاة هي كلها واجبة والركن واجب والواجب واجب والشرط واجب؛ وكلها مفروضة؛ ولكن ذكرها للتفهيم وتقريب الأحكام؛ لذا اصطلح العلماء على هذه المفردات.
بل بعضهم ذهب يضيف للتوحيد توحيد الحاكمية؛ حتى وصل بعضهم لتعداد أكثر من عشرة أنواع للتوحيد؛ وهذا كله من التنطع والتطويل وإضاعة الوقت؛ ويسبب التشدد والتكفير ولخبطة الأذهان؛ فالإسلام له أركان وكلها واجبة أو فرض أو مطلوبة طلبا لا شك فيه؛ ولكن ذكرها بأركان أو تحت عنوان الأركان على سبيل المثال؛ لم يأت عبثا؛ بل دل على ذلك النصوص الصحيحة؛ ولو كانت أركان الإسلام عشرة لما تيسر للمسلمين حفظها وترديدها وترسيخها؛ وكذلك أقسام التوحيد؛ وأما قسم توحيد الحاكمية فلا حاجة لذكره؛ لأنه يندرج في الأنواع الثلاث؛ ويأخذ أهميتها من الأنواع الثلاثة.
بعض أعداء الشيخ يتحجج بالتوسل ويتمسك بقول من هنا وهناك حول التبرك والتوسل؛ حتى جعل التوسل أساس التوحيد؛ وبما وصل به الحال ليقول - كلما اشتد علي أمر ما تمرغت بقبر فلان من الصالحين؛ أو الأنبياء -.
ويسخر البعض من سد ذرائع الشرك؛ ومن قاعدة سد الذرائع؛ سخرية سخيفة جدا؛ وما علم المسكين أن ثلاثة أرباع الشريعة قائمة على سد الذرائع؛ ليس عن الشرك فحسب؛ بل عن كل المحرمات؛ وتحقيقا لكل الواجبات.
بل لم يدرك بعد أنه لا ينفك عن سد الذرائع إلا المجنون والمعتوه؛ فسد الذرائع يستخدمها الجميع؛ وفي كل لحظة وكل الملل تستخدم سد الذرائع؛ بل الكفار يستخدمونها؛ وفي كل علم تستخدم؛ وليس في الدين فقط.
البعض وصل به الحال إلى اللجوء للقبور بما هو أعظم من اللجوء لله؛ وهؤلاء لا يقر لهم قرار ولا يرتاح لهم بال؛ وفي كل صباح ومساء يرمون الشيخ بالعظائم؛ حتى صدقهم بعض الناس؛ من المخدوعين؛ ويتحججون بظاهر النصوص؛ ويفسرون قوله تعالى - ولا تدعو مع الله أحدا - يقصد به السجود وليس الاستغاثة بأصحاب القبور؛ وغير ذلك من استدلال منحرف وغير منضبط.
ولديهم نفس طويل لكل استدلال يعاندون به دعوة السلف الصالح؛ في مجال توحيد الله بعبادته جل وعلا؛ ويلقون بالشبه تلو الشبه؛ حتى صارت القبور أكثر زيارة لديهم من مكة والمدينة.
هؤلاء هم أعداء الشيخ؛ بل يناصبون العداء كل من يدعو بدعوة الشيخ؛ ويطالبون بإلغاء تعليم التوحيد ونشره؛ خوفا من الطائفية ونحوها؛ وما علموا أن الطائفية تتقوى بذكرها؛ لا بترديد القواعد ضدها.
ولظروف سياسية ولأغراض انتخابية وديمقراطية ونحو ذلك؛ برز بعض أبناء المجتمع؛ وبعضهم من المنتسبين لما تسمى الصحوة؛ يشاركون العداء للشيخ ودعوته؛ وتويتر يشهد بساحة النقد الجارح والنقد غير المنصف؛ ولست في مقام الدفاع؛ لضبط الشبه والرد عليها؛ ولكن قصدت ذكر حال العداء فقط.
وأقول: كما أن هناك غلاة في الشرك؛ فهناك غلاة في التوحيد؛ وغلاة في حب القبور وأهل القبور.
بعض من يأخذ طرفا من دروس التوحيد؛ يظن أن كل طاعة شركا؛ وأن توجيه الطلب لمسؤول أو وزير؛ أو ملك؛ في مظلمة إنما هو تعبيد الناس للحكام؛ وذلك يصدر ممن لا يفهم طبيعة وحقائق الأعمال؛ وان كان نظريا يقول لك؛ اعلم بأن الطاعة الشركية هي فيما يناهض دين الله وقصدا وتشريعا.
بل بعضهم لمجرد اتباع فتوى تخالف رأيه وفتواه؛ يذهب ليتهم الناس بالشرك؛ لأنهم اتبعوا فلانا أو الفئة الفلانية؛ بل أحدهم قال؛ إن من يتورع لترك كذا وكذا؛ لأنه اخذ بفتوى مخالفيه؛ فإن ذلك المخالف مشرك وهو لا يشعر.
ولا أدري هل سيحاسب الإنسان على ما لا يشعر به؟! بل هل سيكون مشركا وهو لا يشعر؛ ويدخل النار؟!
الشرك قد يقع من دون علم؛ ونعوذ بالله منه؛ وهناك الشرك الخفي والظاهر والأكبر والأصغر؛ ولكن البعض يفهم ذلك بغلو؛ جعله يتهم الناس بالشرك؛ لمجرد أنهم وثقوا باجتهاد عالم أو علماء يخالفونهم الرأي والاجتهاد.
هكذا يكون غلاة التوحيد؛ يرمون الناس بالشرك؛ بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ يفصل أنواع الشرك؛ ويحدد الأكبر والأصغر والظاهر والخفي وأحوال ذلك؛ بل تعلمنا من كتابه تفاصيل في تحديد الشرك؛ جعلت المتعلم يتربى ويمتنع عن تكفير الناس أو ويتوقف عن اتهامهم بالشرك.
وهنا وقفة؛ ليعلم هؤلاء أن الطاعة الكاملة والمستلزمة لكمال الذل والخضوع؛ لا تكون إلا لله وحده لا شريك له؛ وما سوى ذلك فينتظم في نوعين.
الأولى: الطاعة في المعصية؛ وهذه لا يحكم عليها بالشرك على الإطلاق؛ وليست كل طاعة شركا؛ حتى لو صاحبها طاعة على معصية؛ فالأصدقاء يطيع بعضهم بعضا في تفحيط ومخالفة الشرع في بعض المعاصي؛ غير الشرك بطبيعة الحال؛ فهؤلاء على منكر وليسوا مشركين؛ وإلا لأخرجنا الناس بلا استثناء؛ من دين الله تعالى؛ فمن توافقوا على غيبة أو نميمة وتطاوعوا على ذلك أو طلب أحدهم من بعضهم ذنبا كالسرقة؛ فلا أعتقد أن هذا من قبيل الشرك المخرج من الملة؛ ولم اسمع بأن كل طاعة في معصية شركا؛ لا اصغر ولا اكبر؛ وإلا لقلت إنني إذا طلبت من صديقي فتح قناة فيها منكر معلوم من الدين أنه منكر لا خلاف فيه؛ فأطاعني فهو مشرك؛ وقد خرج من الملة.
والثانية: الطاعة التي يظهر منها كمال الذل والخضوع؛ أو ما صورته كذلك؛ كطاعة الأمراء والعلماء والأئمة وغيرهم؛ وتقديم قولهم على قول الله ورسوله - تشريعا من عندهم - بخلاف ما كان اجتهادا؛ فالاجتهاد ينتج عنه طاعة، ولا يمكن أن نعتبر الطاعة في الاجتهاد شركا؛ وإلا لحكمنا على أمم كثيرة بأنهم مشركون لمجرد اتباع الاجتهاد؛ والشيخ ذكر الطاعة الشركية وشرح كلامه العلماء؛ ولا سبيل لاتهام الناس بالشرك؛ بسبب دعوة الشيخ؛ والقرآن والسنة فيها ذكر الشرك؛ وتناولها بالشرح وقاية من تفشي اتهام الناس بالشرك؛ بل وقوعهم فيه؛ إذ لا يمكن الحكم بأن كذا وكذا شركا لاجتنابه؛ إلا بذكره وتوصيفه.
بعض من يتكلم بمسائل التقليد؛ جعلها بلا استثناء محلا للإشراك بالله؛ فدائما وأبدا يواجه مواطنيه وأصحابه - لا تقدس العلماء - بينما إذا جاءت حاجته السياسية باع التوحيد الذي يفهمه على هذا النحو؛ وتعاون مع المبتدعة وأهل القبور والأوثان؛ وصاروا له إخوانا وأصدقاء.