قمة مجموعة العشرين اختُتمت أمس في مدينة بريزين في أستراليا، بعد يومين من الاجتماعات المكثفة، طغت عليها الاجتماعات الثنائية.
فوجود كل هذا العدد من قادة الدول الكبرى والدول النامية، التي تهيمن على الاقتصاد الدولي بما يتجاوز ثلاثة الأرباع، وإدارة دولها التجارة العالمية، لا بد أن يجعلهم يحرصون على انتهاز وجودهم في مكان واحد لتبادل الآراء، وبحث القضايا التي تهم دولهم والمناطق التي ينتمون إليها.
القمة والاجتماع أساسهما الاقتصاد ودمج اقتصاديات الدول النامية مع اقتصاديات الدول الصناعية لتفعيل الاقتصاد لعالمي، من خلال إشراك الدول النامية في صنع ووضع القرارات الدولية، وبخاصة الدول الناشئة من هذه الدول، التي أصبح إسهامها الاقتصادي مؤثراً وفعالاً مع تراجع اقتصاديات الكثير من الدول الصناعية.
والدول الصناعية الكبرى التي بنت اقتصادياتها منذ عصر النهضة التي انطلقت من القارة الأوروبية معتمدة على توظيفها لقدراتها العلمية والإدارية، واستثمارها الموارد المعدنية وحتى البشرية من الدول الأخرى التي كانت - وإلى عهد قريب - تصنَّف بدول العالم الثالث.
ولهذا، فإن العديد من المفكرين والمؤرخين يرون أن المكانة الاقتصادية الكبرى للدول المتقدمة، التي تصر على الاحتفاظ بمكانة «العالم الأول»، تعود في أساسها لاستغلال موارد الدول الأخرى «معادن وغذاء وبشر».
والآن، وبعد أن تحررت هذه الدول من هيمنة تلك الدول سياسياً بعد انتهاء فترة الاستعمار، سعت إلى تحقيق نمو اقتصادي من خلال الاستثمار الأمثل لقدراتها ومواردها التي كانت مستغلَّة من الدول الأخرى، التي أثرت وكبرت على حساب ثرواتها وأبنائها.
وقد أمكن لبعض الدول أن تحقق العديد من أهدافها؛ ما جعل المخططين الاقتصاديين يلتفتون إليها؛ إذ استطاعت أن تحقق نمواً مرتفعاً؛ وهو ما جعلهم يطلقون عليها الدول الأكثر نمواً، أو الدول الناشئة الأكثر نمواً.
طبعاً، وجود اسم «الناشئة» هذا فيه الكثير من المفارقات التاريخية والفكرية؛ فالهند والصين والبرازيل وكوريا والمملكة العربية السعودية لا تُعدُّ دولاً ناشئة من حيث العمق الفكري والحضاري، بل رُبط مصطلح الناشئة بالنمو الاقتصادي.
وهكذا، عدت الصين وكوريا وماليزيا وإندونيسيا والسعودية وتركيا دولاً «ناشئة» في طريق النمو المتصاعد.
وقد ضُمَّت هذه الدول للدول الصناعية الكبرى لصياغة طريق جديد للتعامل الاقتصادي، يحقق العدل والتكافؤ بين الدول في فرص الاستثمار والتجارة.
ولهذا، فإن عمل المجموعة كان محصوراً في القضايا الاقتصادية.
لكن، لأن القضايا الدولية مترابطة، وتؤثر كل منها في الآخر، فقد أدت الحروب وانعدام العدالة الدولية وتعامل بعض الدول الكبرى بمكيالين إلى عرقلة وتأخير الحلول العادلة لبعض القضايا، وبخاصة القضايا التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت أحد أهم مفاصل الاقتصاد في العالم؛ كونها تختزن أكبر مخزون للطاقة؛ وهذا ما أدى إلى تدمير النمو في الكثير من دولها، وأثر في النمو الاقتصادي في دول أخرى خارج المنطقة؛ ولذلك جاء الطلب السعودي الذي تضمنته الكلمة التي ألقاها سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، في الجلسة الافتتاحية، لتذكير وتحفيز دول المجموعة بشقيها (الدول الكبرى والول النامية) لتفعيل أدوارها لتحقيق السلام العالمي، من خلال العمل على تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية، التي أدى تعطيل معالجتها إلى إشغال المنطقة بحروب ومشاكل متصلة؛ عرقلت كل خطط تفعيل النمو الاقتصادي؛ وهو ما يثبت ما أكدته المملكة في كلمتها بألا نمو اقتصادياً دون سِلْم عالمي.