لم أسمع عدلا في القول، وإنصافا في الطرح، كخطبة إمام المسجد الحرام - الشيخ الدكتور - صالح بن حميد، حين حذر - قبل أيام - من مخططات الأعداء التي تستهدف الأمة الإسلامية، وشعوبها؛ مؤكداً:
«أنها باتت تستهدف الشعوب ببث الشائعات، واستهداف قادة البلاد، ورموزها، وعلمائها، وساستها بتصيد الأخطاء، وتتبع العثرات، وإخفاء الإنجازات». ولا غرابة على معاليه هذا القول الذائق في المقصد، فهو جميل لا يصدر منه إلا جمال في القول، والخلق، فقوله البلسم الشافي، وقلبه الخالص الناصح، خصه الله بفهم عميق، واستنباط سليم، فاستشعر عظم واجب التبليغ، والتوقيع عن رب العالمين.
إن تصيد الأخطاء، وتعظيم الزلات، سلوك يؤدي إلى تأجيج النفوس، وإيغار الصدور؛ من أجل أن يرفع صاحبها خسيسته بالتصيد على نشر الخلافات، وزرع بذور الخلافات، دون أن يقدم خارطة طريق مسارها الانتقاد البناء، وليس التخريب، أو التشغيب؛ لأنه إن أبصر فلا يرى إلا القذى، وإن تكلم فلا يقول إلا زورا، وإن غشي فلا يغشى إلا فجورا.
هي كلمات ظاهرها ادعاء الإصلاح، وتستهلك طاقته، ووقته؛ لكنها توافق الأهواء. فتجده يستمتع في البحث عنها، وإثارتها، ويقع في التشهير بأصحابها، وكل ما يدور حول ذلك المعنى من الاستهزاء، والوقوع في النميمة، وغيرهما من الخصال القبيحة، ولا بأس من التزين بلحن القول؛ ليقول كلاما ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب، وهذا راجع إلى أمور، منها: قد يكون تصوره للموضوع ناقصا، أو أن فهمه لا يستقيم مع واقع الحال، أو أن مصادره غير موثقة، أوأن منطلقاته مخالفة للمنطلقات العلمية، والعقلية، فترتفع بعد ذلك أصواتهم الخبيثة؛ لإسقاط رموز الأمة، فيعيب الناس، ويفقدون ثقتهم فيهم.
إذا كان ديدن هؤلاء -مع الأسف- تتبع الزلات، وكشف العورات، وتعقب الهفوات، وتلمس العثرات، ونشر السقطات، فأين هم من إحسان الظن في الناس، وعدم الحكم بمغيب عنهم؟؛ لئلا يهلكوا، ويُهلكوا غيرهم بلا قصد، أو بقصد. ثم إن الأخطاء لا تسلب مقام الكبار في الإسلام، ولا تنفي عنهم منقبة الفضيلة، والعالمية، وإنما يبقى عليهم لباسها، ويحفظ لهم حقهم في الإسلام. فالنظرة المعتدلة للخطأ، تجعلنا مطمئنين إلى أن الخطأ ليس مشروعا بذاته، أو أننا نتكئ عليه؛ من أجل الاستمرار في دوامة الأخطاء دون معالجة.
فالوقوع في الأخطاء جزء من واقعية الحياة، بل هو جزء من القدر، وجزء من تكوين البشر؛ ليجعلنا بعد ذلك نستهلك طاقاتنا، وأوقاتنا في تقويم الاعوجاج، وتصويب الأخطاء، والتدرج في مدارج الكمال.